محاربة الإرهاب.. بين جدّية روسيا والأزعومة الأمريكية

 تتكشف يوماً بعد يوم هشاشة التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة تحت ستار الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، ويتضح فشل هذا التحالف في المهام التي يدعي القيام بها، حتى أن تسمية ما يقوم به منذ أكثر من عام بالحرب، تسمية خاطئة وغير مطابقة للواقع، فما قام به حتى الآن ضد داعش لا يتعدى الضربات الجوية الموسمية والانتقامية تشتد عندما يشتبك إرهابيو داعش مع البيشمركة في  العراق، أو حين يقتربون من مناطق انتشارهم وسيطرتهم، وتخفت أو تنعدم حين يندفع الداعشيون في أعماق الأراضي السورية والعراقية.

إذاً ليس للأمريكيين والغربيين حتى الآن سياسة حقيقية لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق وذلك لسببن:

الأول– أن أية حملة جوية مهما اشتدت وتكثفت، لن تستطيع القضاء على تنظيم مسلح حتى أسنانه مثل داعش، إن لم تترافق مع إنزال قوات برية قوية ومدربة تخوض قتالاً على الأرض، بل أقصى ما تستطيع تحقيقه هو فرض قيود محددة على تحرك داعش في المناطق التي لا ترغب واشنطن أن يتقدم فيها أو يقترب منها.

الثاني– أن الحملة الأمريكية- الغربية الجوية تختزل الإرهاب في تنظيم داعش فقط، وتستثني منه تنظيمات إرهابية متعددة في سورية منها جبهة النصرة (الفرع السوري لتنظيم القاعدة)، والمصنفة بقرار مجلس الأمن الدولي بأنها منظمة إرهابية قبل ثلاثة أعوام، والموضوعة على قائمة المنظمات الإرهابية الأمريكية. والأدهى من ذلك أن الجنرال بيترايوس، أحد أقطاب الحرب في أمريكا، يدعو إلى التعاون مع من أسماهم (المعتدلين) في جبهة النصرة لمحاربة داعش!

بالطبع هذه انتقائية مفضوحة في التعامل مع الإرهاب، نزولاً عند رغبة حلفاء النصرة مثل تركيا والسعودية وقطر، وتشير هذه الانتقائية إلى دعم جدية المسعى الأمريكي لمحاربة الإرهاب. من جهة أخرى، لا مجال للمقارنة بين الحرب الجوية الأمريكية الأطلسية ضد داعش منذ أكثر من عام بتلك الحملة الجوية الشرسة التي خاضتها أمريكا وحلفاؤها في أفغانستان بعد تفجيرات 11 أيلول 2001 ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة من حيث الكم والقوة التفجيرية. ففي الحرب على طالبان والقاعدة، كانت تشن مئات الغارات الجوية العنيفة يومياً، تشترك فيها طائرات ب52 العملاقة، وتلقى عشرات الآلاف من أطنان المواد شديدة الانفجار على مواقع التنظيمين فتدمرها وتدمر مئات الكهوف في جبال (تورا بورا)، وبالتحديد حسب تقديرات خبراء عسكريين، فإن ما ألقي من مواد متفجرة وقنابل وصواريخ أمريكية على تنظيم داعش منذ عام أو أكثر بقليل لا يعادل ما كان يلقى على طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان في يوم واحد، هذا إلى جانب استخدام أمريكا للجيش المحلي في أفغانستان في حربها المذكوره.

في ضوء ما تقدم ذكره يتضح أن الحرب الأمريكية على تنظيم داعش الإرهابي هي حرب شكلية فقط، وذلك لسببين اثنين:

أولهما– أن داعش كانت ولاتزال حاجة أمريكية لتدمير قدرات سورية وإنهاكها، وتمديد حالة الفوضى في العراق وإغراقه في الخصومات والنزاعات الأهلية، ذلك أن داعش قامت مع أخواتها من المنظمات الإرهابية المسلحة في سورية بدور تخريبي كبير نيابة عن الولايات المتحدة ودول الغرب وإسرائيل، وبالتالي ما قامت به أمريكا وحلفاؤها في العراق منذ احتلاله عام 2003 ودفعت لقاءه آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى وأزمة مالية مروعة، تقوم به في سورية منذ نحو خمس سنوات عبر وكلاء محللين باسم الحرية والديمقراطية والإسلام، ولكن دون أن تدفع هذه المرة الأكلاف الباهظة التي دفعتها في العراق وأفغانستان.

والثاني– أن الولايات المتحدة مازالت وستبقى إلى أمد طويل بحاجة إلى داعش الإرهابي، لاستخدامه (فزاعة) لإخافة الدول المحيطة بسورية والعراق، ولابتزازها مالياً، فمثل هذه (الفزاعة) جزيلة العوائد الاقتصادية والسياسية والمالية على السياسة الأمريكية في البلاد العربية وفي بلدان الخليج العربي بشكل خاص، فبمقدار ما تهز واشنطن الاستقرار في المنطقة العربية وترفع درجة الإخافة على الأمن الإقليمي، بمقدار ارتفاع نسبة ومعدل الحاجة إلى دور أمريكي أمني في المنطقة، وبالتالي يستمر الابتزاز المالي والاقتصادي، وتستمر صفقات السلاح الأمريكي الهائلة لدول الخليج. إذاً ليست هناك مصلحة لأمريكا في تصفية داعش وحرمان نفسها من هذه (الورقة السياسية) القابلة للتوظيف طويلاً! ألم يقل الرئيس الأمريكي باراك أوباما وغيره من مسؤولين أمريكيين كبار بأن القضاء على داعش قد يحتاج إلى ثلاثين عاماً؟

أخيراً، إذا ما أجرينا مقارنة بسيطة بين الحرب الأمريكية المزعومة على داعش وحدها في سورية والعراق، وبين الحرب الروسية الجدية على داعش وتنظيمات إرهابية أخرى خاصة في سورية، تتضح أمامنا بعض الحقائق التي لا يمكن تجاهلها منها:

1- إن التدخل العسكري الروسي الجوي في سورية والذي جاء بناء على طلب من الدولة السورية، أنجز خلال أسبوعين أو أكثر بقليل في سياق محاربته لداعش أضعافاً مضاعفة ما قام به الطيران الأمريكي والأطلسي على هذا الصعيد خلال أكثر ، وكل من عام، وهذا ما تؤكده الوقائع على الأرض وليس مجرد ادعاءات ذلك جرى بالتنسيق مع القيادة السورية والجيش السوري العمود الفقري في الحرب على الإرهاب.

2- إن الطيران الروسي لا يستهدف إرهابيي داعش فقط، بل يستهدف مجموعات إرهابية أخرى، مثل جبهة النصرة.. بمعنى أن روسيا لا تمارس الانتقائية في محاربة الإرهاب على غرار الممارسات الأمريكية المشبوهة التي تدعي أن هناك إرهاباً معتدلاً وإرهاباً غير معتدل للتغطية على أهدافها الخفية التي جئنا على ذكرها.

إذاً، هناك اختلاف كبير في محاربة الإرهاب بين الولايات المتحدة وروسيا، ولا مجال للمقارنة بين الدولتين في هذا المجال، هذه حقيقة يجب أن يدركها الجميع.

العدد 1140 - 22/01/2025