على عينك يا.. مختار !

بعد الأحداث التي جرت في العديد من القرى المحيطة بخربة البوم، والتي أدت إلى تغيير(المخاتير) في تلك القرى، عقد مختار خربة البوم المدعو (أبو كفاح) اجتماعاً عاجلاً لرموز المخترة وأعضائها البارزين جرى فيه تدارس الأوضاع والاحتمالات التي يمكن أن تحول دون تداعي مجلس المخترة وسقوطه. فيما حضرت السيدة (أم كفاح) في اللحظات الأخيرة فكان لحضورها دور هام أغنى الاجتماع.

منذ دخولها تبادلت مع أحمد السكران نظرات ذات مغزى. وعندما لاحظ زوجها (المختار) ذلك حاولت مراوغته إذ قالت:

– إن ما يهدد المخترة برأيي هو وجود عناصر لا يهمها سوى السهر برفقة الجميلات، وتناول الدجاج المشوي وزغاليل الحمام في الحارة الشرقية.

لكن أحمد السكران الذي وصلت إليه الرسالة فوراً رد عليها وهو يلاعب حبيبات سبحته:

– على كل حال أرجو توخي الحيطة والحذر عند التطاول على المقامات المهمّة في هذه المخترة، والنظر إلى اليد التي تدافع بكل حزم عن وجود المخترة واستمرار المختار أبو كفاح على رأس عمله.

تدخل المختار لفض الاشتباك، فأكد أنه يرى كل شيء وعلى علم وموافقة على كل ما يحدث. لكن الأمور تغيرت بعد ما حصل في القرى الأخرى وبات عليه ألاّ يسمح بذلك. وأكثر من هذا.. لقد توجه إلى زوجته أم كفاح وخاطبها بلهجة زاجرة:

– وأنتِ.. أتمنى أن تمتنعي عن قبول البيض البلدي وأقراص الشنكليش واللبنة (المدعبلة) والجوز والتين اليابس والعرق البلدي من أي شخص.

نهضت أم كفاح وشبكت يديها خلف ظهرها وقالت:

– نعم، نعم؟!.. والله اللي بيسمع كلامك بيقول إني عم آكل كل اللي عم يهدوني ياه الناس!.ولك أبو كفاح، لا تخليني افضح الدنيا واحكي شو بيصير بعد ما بتشرب نص لتر العرق وبتموّز بنص كيلو الشنكليش.

حاول أبو كفاح لملمة الموضوع. لكن أحمد السكران استغل الحرج البادي على المختار وقال:

– طالما الست أم كفاح مزعوجة من تكريم أهالي الحارة الشرقية لحضرتي الكريمة وناسية شو عم تجمع من الأهالي.. فأتمنى أن تعفوني من مهامي.

أدرك المختار خطورة خروج أحمد السكران من تحت سيطرته، خاصة أنه يعرف معظم أسراره،إضافة إلى أنه اليد الضاربة والعين الساهرة والأذن السامعة لكل ما يجري في خربة البوم. نهض من مكانه وجلس بالقرب منه بعد أن وضع يده على كتفه وهزّه قائلاً:

– ولك أحمد!.. والله ماببدلك بعشرين كلب جعاري. ولولا منك كانت التعالب بتسرح وبتمرح بهالخربة على كيف كيفها!

– لكن بالرغم من كل شي أنا شايف يامختار، أنو الست (أم كفاح) من خيرة النسوان اللي ممكن تستلم المخترة بعد عمر طويل لحضرتكن.

بدأتِ الظنون تتلاعب بعقل المختار فقرر أن يتأكد ممّا هو في حيرة منه، قهقه قليلاً ثم قال:

– هذا ما أتمناه.. يجب أن تظلا على وفاق دائم.. وطلب من زوجته الاستمرار في التنسيق مع السكران في كل الأمور التي من شأنها دوام المخترة.

نهض بعد أن أبلغهما بأنه سيذهب فوراً إلى الحارة الغربية لتفقد الناس والاستماع لمطالبهم، لكنه لم يذهب بل أراد أن يتأكد من ظنونه.. وقف على النافذة يتابع الحديث الساخن الذي دار بين زوجته (أم كفاح) والسكران.. ولم يستطع أن يصدّق رؤيتهما متعانقين بعد أن عقدا العزم على الإطاحة بالمختار وتسلم أم كفاح أمور المخترة وتسلّم السكران لأمور الخزنة حتى يجمع مايمكن جمعه من الناس!

عندئذٍ لفّ المختار طرف عباءته حول معصمه وقال:

– رحم الله المثل: فعلاً.. دود الخل منّو وفيه!

العدد 1140 - 22/01/2025