كيف نتغلب على ضعفنا؟
تسعى المجتمعات منذ ولادتنا لتشكيلنا وفق صورة تناسب تقاليدها وإرثها الاجتماعي، وفق صورة مكتملة لا تشوبها شائبة، العجز مرفوض والفكرة العامة عن الإنسان الحقيقي؛ ذاك القوي الخاوي من أي ضعف كان.
الإنسان ليس قوة مطلقة، ليس إلهاً يتحكم بما تخلّفه الحياة من معاناة الفقد، الحرمان، الجوع، اليتم والمرض. لا حول له تجاه الحزن والوجع. يفوت المجتمعات أن الإنسان الحقيقي الحديث بما يمر به من حياة متسارعة وحروب وضغوطات اقتصادية ونفسية، تحيله إلى كتلة من الهموم والكآبة وتلقيه في دوائر الضعف والعجز، ليتخبط أكثر وأكثر في عزلته ووحدته ومصيره المجهول. ليس من المعيب أن يضحي المرء ضعيفاً، لكن من الجهل أن يستسلم لضعفه، أن يقف في الزوايا المعتمة مغمضاً على عجزه.
نقاط الضعف تحتلنا جميعاً، وهي نديمة العزلة ودمعة الليالي. لماذا يعلموننا منذ الأزل إنكارها؟ وألا أكشف عجزي لعدوّي، لكن إن أخفيتُه عني، ألستُ عدو نفسي إذاً؟! الاعتراف بالضعف يعطي المرء قوة فضلى لتغيير حقيقي دائم، وهو أساس تنمية الشخصية الصادقة.
البحث عن نقاط الضعف فينا
إذا كان المرء لا يعرف ماهية ضعفه، لا توجد وسيلة لفعل أي شيء حيال ذلك. يجب العثور على وسيلة جيدة لإيجاد نقاط الضعف المتعلقة بأي منا. علينا البحث، لماذا نحن بما نحن عليه الآن، ما سرّ الإحباط والأسى؟ لماذا نقع بالمشكلة مراراً، لمَ النتائج ذاتها كل مرة؟ لنسأل بشفافية أنفسنا أولاً، لنلجأ إلى أقرباء أو أصدقاء مقربين موثوقين مع توخي الحذر بالاختيار، لنتحاور مع من يصدقنا القول ويدلنا على مالا نراه فينا. لا يمكن التغلب على الضعف إن لم نعرف هويته ومقاييسه ونتحرر من رحمة معتقداتنا حول أنفسنا.
قبول ضعفنا
بعد أن وجدنا نقطة الضعف، يأتي الجزء الصعب وتقبل ما وجدناه. التجاهل هنا يعني عدم قبول هذه الحقيقة بصدق. كمن يترك عنان التمزق لجرحه متناولاً المسكنات. لا يمكن ردم ما يوجع بكلماتٍ مثل: (تعودنا – هكذا الحياة – لا يهم هذا حقاً – الجميع يفعل ذلك – لا عجب إنه أمر عادي) كلها علامات في تفكيرنا تدل أننا بخطر، وحان الوقت إلى نتأمل في ذواتنا لإنقاذها من فخ الكآبة والانطواء والمرض لاحقاً. إذا كنا لا نقبل ضعفنا، لا توجد أية وسيلة للتفوق عليه وتجاوزه أو التحصن بأية قوة كانتْ.
الابتهاج باكتشاف الضعف
بالرغم أن هذه الخطوة تبدو غريبة بعض الشيء لكن علينا الاحتفال بمرئيّ أوجاعنا حين نجدها، لنحدق بها، لنتلمسها كي نتحمسُ للنجاة، الضعف المخفي المرفوض يحفر عميقاً فخ الاستسلام، ويجبرنا على التعايش معه لفتراتٍ طويلة. الشوقُ لإطلاق النار على نقطة الضعف يزيد من فرص إصابتها بدقة. لنقم بتحسينات تدريجية في إنسانيتنا. إن حقيقة: تمثيلنا دور الأقوياء وإنكارنا لنقاط ضعفنا، تذهب بنا بعيداً عن إيجاد غيرها لاحقاً، وبالتالي الإصابة بأذيات جديدة مرة بعد مرة.
كسر الضعف
نتعرف على ضعفنا، نقبل به، نحب ما اكتشفناه عن أنفسنا، أنا ضعيفٌ أمام هذا الأمر! ذاك الشخصُ، المرض، العادة، العمل، الذكرى، المكان… يسلبُ قدرتي كلها، يجعلني عاجزاً! لا تبدأ خطواتِ كسر نقاط ضعفنا إلا حين نركز على نقاط القوة، فالنقيض بالنقيض يقتلُ. لا بد من وجود جانب قوي كامن فينا يحتاج إلى إطلاق جناحيه. لنتحصن به وبحماية كافية من الإصرار للانتقال لخطواتٍ جديدة، لنكسر خضوعنا لضعفنا، لنتوقف دفعة واحدة عن احتضان ما يجعلنا مهزومين مخذولين.