اهتز عرش أردوغان
ساعات ست مرت على طاغية تركيا أردوغان كأنها دهر، وتبين بعدها أن التطهير الذي قام به أردوغان منذ سنوات في المؤسسة العسكرية، لم يكن كافياً، وأن سياساته الرعناء المغرقة في تطرفها تجاه الملفات الإقليمية، وخاصة المسألة السورية، قد تطيح بعرشه بعد أن اهتز بشدة خلال هذه الساعات.
ما يجمع عليه المحللون السياسيون أن أردوغان تحول من سياسي (إخواني) إلى ديكتاتور بآفاق (ثيوقراطية)، وهذا ما جعله خارج التجمعات الإقليمية والعالمية. فالأوربيون وضعوا الحواجز الشاهقة أمام توغله في قارتهم، وصعّبوا انضمامه إلى الفضاء الأوربي، كذلك فإن الأمريكيين الذين يعدون أقدم حلفاء تركيا التقليديين وجدوا في نزعته (السلطانية) ومحاولته خلق سلطنة إخوانية إقليمية دون أن يمنحهم (الريموت كونترول)، خطراً محدقاً قابلاً للتوسع باتجاه أنظمة حليفة للولايات المتحدة، إضافة إلى تخوف الإدارة الأمريكية من قيادة أردوغان المتطرفة لتيارات من الإسلام السياسي، وخطورة تحولها إلى إرهاب منظم قد يضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة والعالم.
أما الجار الروسي فقد أزعجه تحرك أردوغان الإسلامي تجاه الجمهوريات الآسيوية التي تعد مجالاً حيوياً لروسيا، وجاء التدخل التركي (الفظ) والمباشر في الأزمة السورية وإسقاط الطائرة الروسية، ليضع العلاقات الروسية التركية في حالة توتر شديدة. وليس أدلّ على غضب هذه القوى العالمية من النزعة (السلطانية) لأردوغان من ترقبهم خلال الساعات الست دون إظهار موقف واضح مما يجري في تركيا، والانتظار لما بعد فشل الانقلاب، ليعلنوا بعد ذلك تأييدهم للحكومة الشرعية.
المواطنون السوريون الذين فوجئوا كغيرهم بأخبار التحرك العسكري ضد أردوغان، أبدوا تفاؤلهم- رغم أن بعض مظاهر هذا التفاؤل كان مؤذياً وضاراً- بنجاح الجيش التركي الذي كان حامي العلمانية في تركيا، بإزاحة (السلطان) أردوغان، الذي ارتبط اسمه بالمجازر والمآسي والنكبات التي حلت بالشعب السوري، بعد أن قرر ضم بلادهم إلى سلطنة (الإخوان) بالقوة، وسلّط عليها من أجل تنفيذ حلمه أشرس (المجاهدين الإرهابيين الذين تلقوا دروس الذبح والحرق والتفجير في أفغانستان وباكستان، وفتح لهم ترسانته العسكرية، وجيّر لهم أموال آل سعود وحكام قطر الخائفين حتى الموت من هبّة شوارع المدن العربية ضد التسلط والديكتاتورية والتخلف والفقر، ومن أجل مستقبل ديمقراطي حقيقي وعلماني.
من السابق لأوانه التنبؤ بردود أفعال أردوغان على ماحدث في الساعات الست، وإن كنا نرجح على الصعيد الداخلي سعي أردوغان إلى حملة تطهير أخرى تطول القادة العسكريين غير الموالين، وتشديد قبضته أكثر فأكثر على المؤسسة العسكرية.
أما على الصعيد السياسي ومواقفه تجاه الملفات الداخلية والإقليمية، فينبغي الانتظار والترقب رغم الاستدارة التي قام بها بعد اعتذاره لروسيا، والوعود التي قطعها بمكافحة الإرهاب، والمساعدة على إنجاح المساعي السلمية لحل الأزمة السورية.
صحيح أن سقوط أردوغان قد يسهّل القضاء على الإرهاب، لكننا نحن أبناء سورية لا نعوّل كثيراً إلا على صمود شعبنا، وبسالة جيشنا الوطني، ودعم أصدقائنا لطرد داعش والنصرة وجميع من يساندهم، لا نعول إلا على حوارنا، وتوافقنا على اختيار نظامنا السياسي، الديمقراطي، العلماني، والعمل لبناء مستقبلنا الذي سيجعل من سورية المتعددة الحرة جنة على الأرض.. أما السلطان أردوغان الذي تلطخت يداه بدماء الشعب السوري، فسنترك مصيره لشعب تركيا العظيم.