المثقف.. تحت وهج الحمى!

انتبه العثمانيون لأهمية تنامي دور المثقفين العرب وظهور صوتهم القوي: صوت اليقظة العربية، وهم – أي الأتراك في مرحلة نهاية السلطنة – كانوا متورطين تورطاً فاضحاً مع الصهيونية العالمية في مشروع كبير يستهدف المنطقة. واجههم صوت المثقف العربي بمسؤولية كبيرة دفع ثمنها شهداء 6 أيار على حبال المشانق، أي أن المثقف معنيّ برفع الصوت في المرحلة التاريخية التي يستهدف فيها وطنه، حتى لو دفع نفسه وروحه ثمناً لموقفه.

وإذا كان اختلاف وجهات النظر بين المثقفين هو مسألة اعتيادية، وقد تكون عاملاً من عوامل النضج في الثقافة الوطنية، فإن الاختلاف لا يفسد للود قضية، الذي يفسد للود قضية هو اختراق الثوابت القومية و الوطنية مهما كانت الحجج والذرائع، أو على الأقل التشويش على الحال الثقافي وتركه في حال المرواحة والفوضى.. هذا يعني أن مهمة المثقف العربي والسوري بشكل خاص كبيرة، وتزداد أهميتها مع تفاقم الحرب على سورية، أي أن الموضوع في زمانه ومكانه يدرج في أعلى درجات الوطنية، وخاصة أن المثقف السوري معروف بتفاعله مع قضايا بلده..

والمثقف مطالب اليوم بتأصيل الفكر القومي والوطني والشروع فوراً بهذا التأصيل، حتى لو كان على أرضية نقدية واسعة، وذلك يكون بإعادة قراءة الحدث في جذوره الإقليمية والخارجية وعملية التشويه التي جرت عليه، وصولاً إلى إعادة صياغة النظرية العربية القادرة على شرح أسباب الانهيار الكبير الذي عاشه العرب في الحقبة الأخيرة، فاختلت القيم وانهارت الأفكار واحترقت القامات وشرع العرب بتغريبة العصر التي أقلقت العالم..

لابد أن يكون الوطن هو القصد، وإن على المثقف أن يستمر في التعاطي مع أدائه بمسؤولية على هذا الأساس، ويكفّ عن أن يكون عازفاً على الفرص من أي مكان جاءت، والفرصة الحقيقية لهذا المثقف هي الشروع بإعادة الروح إلى القوى الكامنة في المجتمع لاستنهاضها ورسم ملامح طريقها النهضوي الصعب لتجاوز المحن!

ما الذي يجري في حال المثقف عندنا؟!

الخوف هو في انشغال الكثير من المثقفين في الانتظار والمراوحة، والبحث عن مواقع قد لا يجيدون فيها الأداء، أو ربما الانشغال في الجزئيات والتفاصيل والخصومات الفردية، وأحيانا في الثرثرة، في وقت تتعالى فيه أمواج التطبيع والانهيار الثقافي وانهيار الدول وتفتيت الخرائط وتمزيق الأوطان؟!

إنها واحدة من المراحل الخطيرة التي تظهر فيها هذه الأعراض، ولابد في هذه الحالة من مناشدة، مناشدة من القلب إلى القلب، تسعى لنوع من الصحوة، بأن الدور المنوط بالمثقف هو أكبر من الدائرة التي يشتغل عليها البعض!

الأمور تتجه هنا إلى أبعد من كونها مسألة ملاحظات على المثقف السوري، فنحن أمام نهر قادم من الفعل الثقافي الآخر، ونحن أمام حرب ثقافية تلي الحرب العسكرية تريد تحقيق ما عجزت الأولى عن تحقيقه!

هل المثقفون قادرون على التضامن والعمل بحرص وجدية على أداء دور يليق بهم؟!

ذلك هو السؤال..

العدد 1140 - 22/01/2025