لتأخر الزواج عند الجنسين أسبابه
كلما تقدم بك العمر وازدادت خبراتك، صَعُبَت اختياراتك وأصبحتِ أكثر انتقائية، فتحكمين على الأمور من منطلق عقلاني بعيداً عن العاطفي.
أصبح غلاء المعيشة أحد أبرز العوائق التي تواجه مريدي الزواج، ممّا يُتَرجَم تأخّراً في سن الزواج عند الجنسَين، فبعد أن كانت الأنثى تتزوج في أول عشرينياتها، صارت تتزوج اليوم في آخرها وحتى في الثلاثين من عمرها أيضاً. الأمر نفسه بالنسبة إلى الذكور الذين يُقدمون على الزواج في عمرٍ يناهز الأربعين في الكثير من الأحيان.
من ناحية أخرى، يترسّخ عامل استقلالية المرأة عن الرجل أكثر فأكثر، فبعدما كانت تعوّل على زوجها في الحصول على موارد مالية لكل الأمور، أصبحت تحصّل دخلها بنفسها وتتخطّى قيمة دخلها أحياناً قيمة دخله هو، الأمر الذي يُعلي من استقلاليتها وقدرتها على المضيّ بحياتها وحيدة.
وقد نتجت هذه الاستقلالية تدريجياً من أن الإناث يُكملن دراستهنّ حتى النهاية ويتخرّجنَ في الجامعات بشهاداتٍ عليا في العديد من المجالات، مما يرفع من ثقافتهنّ وقدرتهنّ على دخول مجالات عمل متعددة ومتنوعة، إضافة إلى امتلاكهن طريقة تفكير منطقية علمية راقية. يعتبر التأخر في الزواج أو ما يسمونه في مجتمعاتنا الشرقية (العنوسة) آفة اجتماعية، والمرأة العانس هي التي تخطّت سن الزواج المتعارف عليه، لكن ذلك لا يعني بالضرورة عزوبتها المطلقة من دون أن تتزوّج لاحقاً. فقرار الزواج تحدده هي، أي أنها حتى لو كانت عانساً متجاوزةً سن الزواج، تظلّ آملة في الارتباط ودخول القفص الذهبي، خصوصاً من يفتقد منهنّ لوظيفةٍ تعيلهنّ.
ونلاحظ جلياً في مجتمعاتنا العربية أن مصطلح العنوسة لا يطلق إلا على الأنثى أي أن الرجل لا يشمله ذلك المصطلح، وذلك بسبب الصفة الذكورية السائدة في مجتمعاتنا.
أما ما نشهده حالياً في خضم الحرب الدائرة في بلدنا فإننا نرى أن الكثير من الناس قد تغيرت آراؤهم وأفكارهم لاسيما بشأن الزواج، وكأن الحرب قد أثرت عليهم بشكل أو بآخر. في الوقت نفسه نرى الكثير من حالات الزواج المبكر وغير المقبول، إضافة إلى حالات تعدد الزوجات نظراً لقلة أعداد الشباب بسبب الحرب وتداعياتها، والظروف الصعبة التي تعيشها الأسر السورية والتي عززت تعدد الزوجات أو الزيجات غير المنطقية التي تقوم بشكل رئيسي طمعاً بالمال. غير أن هناك حالات تعاني منها معظم الشابات السوريات وهي الرهبة من موضوع الزواج خوفاً من سيطرة الزوج أو الحد من طموحهن بعد الزواج.
في الوقت نفسه، تتقبل المرأة عنوستها ولا تسعى للزواج في أحيانٍ كثيرة، خصوصاً عند وصولها إلى منتصف العقد الأربعيني، ويعود ذلك لعدم قدرتها على الحمل وتأسيس عائلة. فيما تؤكد بعض النساء أنهن فخوراتٍ بعنوستهنّ ولا يعبّرنَ عن حاجتهنّ إلى الزواج. من هنا، لا يشكّل العمر أساس الخيار في الزواج أو عدمه، بل يختلف الأمر بحسب المرأة وقرارها وإرادتها، مهما كَبُر عمرها.