الحقيقة لا تُرى بعين واحدة

 لم يعد ثمة شك في أن ما جرى ويجري في سورية، البلد العريق بتاريخه، الغني بتنوعه الإثني والديني، والثقافي، يهدف إلى تحطيم بنية الدولة، وتفكيك النسيج الاجتماعي، والعودة بالبلاد إلى ما قبل الانتماء إلى الدولة – الوطن.

لكن تختلف وجهات النظر، هل هذه حرب على سورية، أم أنها حرب في سورية، أريد لها أن تكون اختباراً لموازين قوى إقليمية ودولية، تتصارع على طريق رسم عالم متعدد الأقطاب، بعد فشل الولايات المتحدة الأمريكية في قيادة العالم، بفعل توحشها وغطرسة قياداتها، وبشكل خاص بعد تسلم رئيسها الجديد الذي يظن أن إدارة العالم تشبه إدارة شركة من شركاته.

الحرب على سورية، نعم، والحرب في سورية، نعم أيضاً.. فالعلاقة جدلية بين فعل الخارج ومفاعيل الداخل، ومن الصعب فك التشابك بينهما.

لا.. يخطئ من يصف بموضوعية أن ثمة ما كان يجب أن يُعمل في سورية قبل الحرب، ولكن التأخر في فعله، ليس السبب المباشر في ما جرى، وإنما هو مشجب تُعلّق عليه الأهداف البعيدة والمباشرة للمواجهة الظالمة التي تعرضت لها سورية،
بسبب مواقفها، وبحكم موقعها الجغرافي ودورها الوطني، وحالة الاستقرار التي كانت سائدة فيها، على ما شاب تلك المرحلة من نواقص كان يمكن تلافيها، عن طريق تمتين الجبهة الداخلية، ورأب الصدوع، هنا أو هناك، مما يساعد على أقل تقدير في التخفيف من الخسائر التي مُني بها الشعب والدولة السورية.

إذاً الحرب على سورية خطة موضوعة ومدروسة، اعتمدت على استحقاقات داخلية وظّفت للمتاجرة بها، لتبرير عدوان آثم وكريه، يستخدم قوى متوحشة ظلامية انعزالية، لا تخفي ارتباطها المباشر بالولايات المتحدة الأمريكية وبالحركة الصهيونية وبالرجعية العربية المتخلفة.

إن تحميل المسؤولية لـ(المؤامرة) هو عين الصواب، ولكن العين الأخرى يجب أن نرى الأحداث بها، ومناطق الوهن التي نفذ منها الأعداء، وبنوا عليها خيوط مؤامرتهم، برفع شعارات براقة خدعت الكثيرين من أبناء الشعب السوري.

أما اليوم فعجباً كيف يجرؤ بعضهم على تسمية ما جرى ويجري (الثورة)، فإذا أخطأت الأبصار، فهل تصاب البصيرة بالعمى؟ أما آن للجميع من كل الاتجاهات أن يقفوا موقفاً موضوعياً يقوم على التحليل، والتركيب، وصولاً إلى استنتاجات أقرب ما تكون إلى الصواب.

الوعي والثقافة، السياسي والثقافي، في مقدمة المسؤولية، بين رؤية ما جرى ويجري. والحكمة والتعقل، هما البغية والهدف في ترشيد الوعي الجمعي، الوطني والثقافي والفكري، لتصحيح المواقف، وتثبيت الخطا باتجاه وعي جديد، مفارق لما جرى، ومبني على دروسه، يقرأ الواقع بعين الناقد، لا المستسلم أو المهزوم،
ولا المبشر الذي لا يستند إلى حقائق لا بد من الاعتراف بها كي لا تعاد الاستفادة منها مرة أخرى، وذلك كله لتشكيل جبهة عريضة، تنظر إلى المستقبل، مستقبل سورية، الدولة الوطنية التعددية التي يتساوى فيها أبناؤها في الحقوق والواجبات، ويساهم كل فرد فيهم بدوره في عملية الإدارة والإنتاج، دولة لا تُقصي أحداً، ولا تميز بين الأفراد،
فكلهم مسؤول بحكم موقعه، وبحجم ما يتاح له من مشاركة، دولة لا تضيّق على أحد بسبب رأيه أو معتقده أو عقيدته.

لم يعد قابلاً للتأجيل الدعوة إلى مؤتمر وطني ثقافي فكري، يرسم خطوطاً واضحة محددة لتوجهات عامة عريضة يُجمع عليها رجال الفكر والثقافة والسياسة، لمواجهة تحديات المرحلة بكل مخاطرها الفكرية والثقافية والسياسية،
توظف الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش العربي السوري والقوى الحليفة والرديفة، في دحر ا لإرهاب وتثبيت الوحدة الوطنية تراباً وشعباً.

العدد 1136 - 18/12/2024