الجهل والخوف والكراهية.. مسارات العنف في المجتمع
د. عبادة دعدوش:
يُعدُّ القول: (الجهل يؤدي إلى الخوف، والخوف يؤدي إلى الكراهية، والكراهية تؤدي إلى العنف) تجسيداً حقيقياً للواقع المُعقّد الذي يعيشه المجتمع. فهذه السلسلة من المشاعر والانفعالات تتناول بشكل عميق التفاعلات البشرية وتتسبّب في آثار خطيرة على الأفراد والمجتمعات.
الجهل كحاجز: يعتبر الجهل أحد أبرز العوامل التي تعيق التقدم وتعيق الأفراد عن فهم ما يحيط بهم. عندما يعيش الأفراد حالة من العزلة المعرفية، فإنهم يفقدون الفرصة للتفاعل مع الأفكار المختلفة وتحدّيات العالم. ويمثل الجهل مثلاً حاجزاً يحبس العقول في أنماط ثابتة من التفكير، ممّا يعيق القدرة على استيعاب التنوّع وتقبّل الآخر.
الخوف كاستجابة طبيعية: مع تصاعد مشاعر الجهل، يبدأ الخوف في الظهور كاستجابة طبيعية. هذا الخوف قد يكون موجهاً نحو المجهول، أو نحو ما يظنُّ الأفراد أنه يُهدّد استقرارهم ورفاههم. وفي كثير من الأحيان، يؤدي هذا الخوف إلى انصراف الأشخاص نحو التمسّك بآراء معينة، ممّا يعمّق مشاعر الانغلاق والانكفاء على الذات.
الكراهية كنتاج للخوف: يتطور الخوف إلى كراهية عندما يشعر الأفراد أن وجود الآخرين يشكّل تهديداً حقيقياً لمصالحهم أو قيمهم. فبدلاً من الحوار والتفاهم، يختار البعض أن يُعبّروا عن مشاعرهم بالكراهية تجاه من يرونهم (آخرين)، فتصبح هذه الكراهية مبرراً للتصرفات العدوانية وتوليد الصور النمطية السلبية، ممّا يحرم المجتمع من فرص التعاون والنمو الجماعي.
العنف كعاقبة: وفي النهاية، تتحوّل هذه المشاعر المتراكمة من الجهل والخوف والكراهية إلى عنف. العنف ليس فقط جسدياً، بل يمتد كذلك إلى العنف اللفظي والنفسي، وهو ما يترك آثاراً سلبية عميقة في نفوس الأفراد والمجتمع بشكل عام. وهنا يزداد الجدل وتتعمّق الانقسامات، ممّا يعيق أي فرصة للتواصل السلمي والمثمر.
نحو التغيير الإيجابي: إن كسر هذه الحلقة المُفرغة يتطلّب وعياً جماعياً وإرادة حقيقية للتغيير. من الضروري تعزيز التعليم والثقافة، والتشجيع على الحوار المفتوح بين الأفراد. كما يتطلب الأمر أيضاً تعزيز قيم التسامح والاحترام، لكي يصبح المجتمع قادراً على تجاوز الجهل والخوف وفتح أبواب جديدة للتفاهم.
وفي النهاية، يبقى السؤال: كيف يمكن للمجتمعات أن تتجاوز هذه الدائرة المُفرغة وتبدأ في رحلة التعافي؟
لا شكّ أن هذا التجاوز سيكون من خلال الاستثمار في التعليم والتواصل الفعّال والحوار البنّاء، حينئذٍ يمكن بناء مجتمع متماسك يواجه التحديّات بروح من التعاون والأمل.