ندوة في جرمانا احتفالاً بالذكرى الـ 96 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. مواقف الحزب الشيوعي السوري الموحد في الأزمة السورية

ريف دمشق_ النور_ خاص:

(أزمة كارثية)، (سنوات الجمر)، (إرهاب داعش والنصرة)، (سياسات اقتصادية تحابي الأغنياء على حساب الفقراء)، (أزمة مركّبة أساسها داخلي)، (الصيغة السياسية التي سادت أربعين عاماً ما عادت تناسب تطور المجتمع ولا تطورات الحياة).. هذه بعض العناوين التي تضمّنتها مواقف الحزب الشيوعي السوري الموحد، منذ مؤتمره الحادي عشر، الذي انعقد أواسط آذار 2011، وتابع مندوبو المؤتمر آنذاك، باهتمامٍ وقلق، وقائع انفجار الأزمة الكارثية السورية، التي طالما حذّر الحزب، على مدى سنوات، من الوصول إليها، ومن تبعات السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، تحت عنوان (اقتصاد السوق) وألصقت به قولاً فقط صفة (الاجتماعي) ذرّاً للرماد في العيون، بينما كانت القرارات والإجراءات المتلاحقة، بذريعة إيصال الدعم إلى مستحقّيه، تنسف الطابع الاجتماعي، وتجرف في حمأتها مكتسبات الفئات الشعبية الفقيرة وحقوقها.

والآن، بعد عشر سنوات، عانى فيها السوريون أشدّ أشكال المعاناة: قتلاً وتهجيراً وتدميراً شمل البنى التحتية ومصادر الرزق ومواقع العمل، وفقراً وبطالةً وإذلالاً، يتساءل السوريون: أما آن لهذه المعاناة أن تنتهي؟! أما آن لسورية أن تنهض؟!

في ندوة أقامتها منظمة الحزب الشيوعي السوري الموحد في جرمانا، بالتعاون مع المركز الثقافي العربي في جرمانا، يوم الاثنين 14/12/2020، استعرض الرفيق بشار المنيّر (عضو المكتب السياسي للحزب، ورئيس تحرير جريدة النور) مواقف الحزب مما جرى في سورية، ورؤية الحزب للخروج من نفق المعاناة، نحو بناء دولة مدنية، ديمقراطية، تعددية، تلأم جراح السوريين، وتعيد مَن هُجّروا منهم إلى بيوتهم وقراهم وأحيائهم، وتنصفهم، وتعظّم كرامتهم.

وإذا كانت هذه الندوة قد أقيمت في سياق الذكرى الـ 96 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري، والذكرى الـ 103 لثورة أكتوبر، فإن الحديث والنقاش فيها، بعد أن استعادا، باختصار وإيجاز، بعض ملامح الماضي، قد ركّزا على الحاضر والمستقبل.

ترحيب

رحّبت عبير نادر (مديرة المركز الثقافي العربي) بالحضور، آملةً أن تغتني الندوة بالحوار.

مدخل

أعلن الرفيق ناصر قرموشة (أمين اللجنة الفرعية لمنظمة جرمانا) افتتاح الندوة، مرحّباً بالحضور، وفي مقدمتهم ممثلو القوى والأحزاب الوطنية والفعاليات الاجتماعية في جرمانا، كما رحب بالرفيق خليل داود (عضو المكتب السياسي للحزب وعضو منطقية ريف دمشق) وبالرفيق بشّار المنيّر (عضو المكتب السياسي للحزب ورئيس تحرير النور)، ووجّه تحيةً حارة لأهلنا في الجولان المحتل، الذين يتصدون بأجسادهم وشموخهم لمخططات الاحتلال الصهيوني ومشاريعه. وطلب الوقوف دقيقة صمت إجلالاً لأرواح شهداء الحزب والوطن، على أنغام النشيد الوطني. ثم قدّم مدخلاً للندوة، تضمّن لمحة عن ثورة أكتوبر ودورها على مستوى العالم، ومن ذلك كشفها اتفاقية سايكس – بيكو، ودعم حركات التحرر، واستعرض بدايات تأسيس الحزب الشيوعي السوري، وأبرز مبادئه وشعاراته وأهدافه، ومواقفه ودوره في الساحة السياسية، ومن ذلك دعوته إلى الحوار الوطني ومشاركته في لقاء صحارى التشاوري. كما أوضح جوانب من نشاط منظمة جرمانا وعلاقاتها، ودورها في ترسيخ لغة الحوار بين القوى السياسية في جرمانا. ثم نقل الميكروفون إلى الرفيق بشار المنيّر، لاستعراض مواقف الحزب من الأزمة السورية.  

الخُمس الثريّ

بعد أن شكر الرفيق المنيّر إدارة المركز الثقافي، ودعوة المنظمة لهذا اللقاء، تحدث في المحور الأول عن مؤتمر سان فرنسيسكو عام 1995، الذي حدّد معالم الطريق للعالم في القرن الحادي والعشرين، وجرى التوافق فيه على أن القرن 21 هو قرن الخُمس الثريّ. ووضعت في المؤتمر مخططات للهيمنة الأمريكية على العالم، ومنها للتعامل مع الصين، وأمريكا اللاتينية، وإفريقيا، ومن ضمن ذلك منطقة الشرق الأوسط، وهنا رأوا أنه لا داعي لاستقدام الجيوش، بل باستخدام العقول والأدوات (أنصار الظلام والعتمة). وتساءل: لماذا استطاعت المؤامرة هذه المرة أن تؤدي إلى هذه التداعيات، بينما فشلت في خمسينيات القرن الماضي؟

وأشار إلى أن الحزب وجّه انتباه المسؤولين إلى سعي أمريكا لتسييد إسرائيل على المنطقة، وضرورة تقوية محور المقاومة، وعدم الانجرار إلى فخ الليبرالية الاقتصادية الجديدة (توافق واشنطن أو التثبيت الهيكلي) الذي يلغي تماماً دور الدولة، وقدّم الحزب مقترحات، لكن الفريق الاقتصادي الذي كان يديره عبد الله الدردري (وليس هو المسؤول الوحيد) مشى في الاتجاه الذي حذّرنا منه.

فقد جرى تهميش قطاعي الإنتاج: الزراعة والصناعة، لحساب الخدمات والرساميل العقارية والريعية، وحُرّرت التجارة، فارتفعت نسب الفقر والبطالة.

سياسياً: عرقلة الإصلاح

مع بداية القرن الجديد تفاءلنا بطرح برنامج طموح للتحديث والتطوير، لكن ظهرت عوائق قبل 2005 منعت أي محاولة لتطوير الأوضاع السياسية. قدم حزبنا مذكّرة للمؤتمر القطري العاشر، طالبنا فيها بحزمة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية لتمتين الوضع الداخلي (منها تعديل الدستور، تقوية دور الجبهة، دعم الاقتصاد الإنتاجي والمنتجين…). تلقّينا وعوداً، وتسارعت الأحداث في لبنان، وكانت أمريكا تحضّر المنطقة لـ (صفقة القرن).

انفجار الأزمة

وهكذا دخلنا 2011 باقتصاد هش يعتمد على الاستيراد. طلبنا ألا يجري التعامل أمنياً مع التظاهرات التي طرحت مطالب مشروعة ومحقة، وحذّرنا من إمكانية أن يستغل الخارج هذه الحركات الاحتجاجية.

  لمّا بدأ الغزو الإرهابي وقفنا مع الدفاع عن سورية. دخلنا مرحلة الغزو التي لم يشهد مثلها أي شعب. العامل الأساسي في هذه المواجهة والصمود هم الفئات الفقيرة والمتوسطة، قدّموا أرواحهم وأولادهم دفاعاً عن سورية، ولذلك طالبنا دوماً بأن توضع مصالح هذه الفئات في رأس الأولويات.

دوماً ربطنا المسألة الوطنية بالمسألة الاجتماعية، فإذا هُمّشت مصالح هذه الفئات، زاد خطر انهيارنا أمام العدوان والغزو والحصار.

المطلوب، برأينا، تصليب الموقف السوري، تصليب الصمود بدعم هذه الفئات وتلبية مطالبها ومصالحها.

الآن تجري محاولات وتُبذل جهود للوصول إلى حل سلمي. وتتناقض مصالح الدول المتداخلة في الشأن السوري، وشعبنا لن يرضى لا بالتقسيم ولا بانتقاص السيادة، وسيسعى لاستعادة الأجزاء المحتلة.

وما دام شعبنا قد صمد في مواجهة الغزو الإرهابي والعدوان الأمريكي والتركي والصهيوني، فالمطلوب هنا هو تأمين مستلزمات هذا الصمود. للأسف، تبدو الدولة غائبة عن كل الاقتصاد المعيشي، وتُرك الأمر للمتحكمين بالأسواق والاستيراد. حتى في موضوع الخبز، وحزبنا لم يوافق على رفع سعره، ولا على رفع أسعار المشتقات النفطية، وقدمنا مذكرات واقتراحات لتحسين الأوضاع المعيشية.

في الختام، نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد، نرى أن سورية ستبقى واقفة في وجه قوى العدوان، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وتناضل لاستعادة الجولان والأجزاء المغتصبة، سورية تضم قوى وطنية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ونحن نسعى للوصول إلى سورية الديمقراطية التي تضم كل المكونات تحت سقف دستور يعلي من كرامة الوطن ويعظّم من كرامة المواطن، ويتمتع أهلها جميعاً بنتائج عملهم وبخيراتها وثرواتها وهي كثيرة.

نقاش متنوع

فُتح باب النقاش، وقُدّمت مداخلات وآراء غنية ومتنوعة، لامس بعضها هموم المواطن اليومية، وتحدث غيرها عن هواجس السوريين، وضرورة تفاعل القوى الوطنية وتعاونها، وتضمّن بعضها أسئلة أجاب عنها الرفيق بشار.
واختتمت الندوة على أمل لقاءات متجددة.

العدد 1104 - 24/4/2024