أردوغان لم يحفظ الدرس بعد!
د. صياح عزام:
من الواضح أن أردوغان لم يحفظ الدرس، وهو ماضٍ في غيّه وأطماعه وتطلعاته، أو بالأحرى أحلامه بإقامة نفوذ عثماني جديد في المنطقة العربية، ولم يراجع حساباته في ضوء الظروف المستجدة، ولم يُعِد النظر فيها، لأنها عصية على التحقق، وهو يعتقد أن الأمور مواتية له لتنفيذ هذه الأحلام بسبب الأحوال المضطربة في أكثر من بلد عربي، علماً بأن أنقرة في ظل حكمه الإخونجي الاستبدادي كانت ضالعة حتى النخاع ومازالت في خلق هذه الاضطرابات والحروب والفوضى والعنف في هذه البلدان.. والشواهد على ما ذكرناه ماثلة للعيان وأمام الجميع.
فالحرب الإرهابية على سورية منذ عام 2011 حتى الآن، كان أردوغان طرفاً رئيسياً في شنّها، وذلك عندما فتح بلاده بمطاراتها وموانئها لاستقبال جحافل إرهابيي داعش والقاعدة وكل المجرمين والمتطرفين وخريجي السجون وتعاطي المخدرات، وأدخلهم إلى سورية ليعيثوا فيها قتلاً وتهجيراً وفساداً ودماراً وسرقة، بعد أن أمدهم بالسلاح ودرّبهم عليه في ثكنات جيشه ودهاليز مخابراته بالتنسيق مع بعض الدول الخليجية، وخاصة منها محمية قطر، حاضنة الإخوان المسلمين ومموّلتهم في الوطن العربي، وفي مراحل لاحقة دفع بجيشه إلى الأراضي السورية واحتل مساحات واسعة في الشمال الغربي والشرقي عبر عمليات عسكرية أطلق عليها أسماء مزيفة مثل: (درع الفرات) وغيرها، ثم الإقدام على احتلال أجزاء كبيرة من إدلب وشمال حلب، إلا أن قواته المحتلة تلقت دروساً بالغة في معارك إدلب الأخيرة، فقد تكبدت أكثر من مئتين وسبعين قتيلاً، إضافة إلى أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين خاصة في معركة سراقب، الأمر الذي اضطره إلى الاستنجاد بالرئيس الروسي بوتين لمساعدته على وقف إطلاق النار.
إذاً، الدور التركي في سورية كان معطِّلاً لإنهاء الإرهاب من إدلب وغيرها، ولم يكتفِ بدوره الإجرامي هذا في سورية، بل نقل السيناريو نفسه إلى ليبيا، عندما أرسل مرتزقته وأزلامه من الإرهابيين إليها، ليعيثوا فيها قتلاً وخراباً وقدّم لهم الدعم العسكري المباشر بالجنود وبالطائرات المسيّرة والدبابات وغيرها من الأسلحة.
أما تدخلاته في مصر فإنها لم تنفع، بل مازالت متواصلة من خلال دعمه للمجموعات الإرهابية هناك.
بطبيعة الحال كل هذه التدخلات من جانب أردوغان لاقت احتجاجات كبيرة في الداخل التركي، وتجسدت في الانشقاقات داخل حزبه (حزب العدالة والتنمية)، إلى جانب تدهور الاقتصاد التركي وتفشي البطالة والفقر.
ومؤخراً أخذت تركيا تعاني من انتشار جائحة كورونا، وقد وصل عدد المصابين فيها بهذا الفيروس حتى تاريخ كتابة هذا المقال إلى حوالي مئة ألف مصاب، وعدد المتوفين إلى أكثر من ألفي وفاة، وهذه الأعداد هي في تصاعد مستمر، الأمر الذي أدى إلى احتجاجات وانتقادات داخلية واسعة النطاق، لاسيما فيما يتعلق بانشغال أردوغان وحكومته بالتدخلات الخارجية في سورية وليبيا ومصر وغيرها، وإهمالها لموضوع التصدي لجائحة كورونا. وما من شك في أن هذا العدد الكبير والمتصاعد من الإصابات والوفيات، والارتباك في إدارة هذه الأزمة، ترتبت عليها خسائر اقتصادية كبيرة يتحملها أردوغان شخصياً وأعضاء حكومته، بسبب السياسات المغامرة التي اتبعها مع حكومته.
وعلى سبيل المثال، رغم مزاعم أنقرة بأنها أوقفت أعمال الرحلات الجوية والمعابر البرية، فإن الوقائع تشير إلى عكس ذلك، فمازالت الرحلات الجوية والبرية إلى سورية وليبيا ناشطة لنقل الأرتال والأسلحة العسكرية وأفواج المرتزقة إلى هذين البلدين.
كل هذا يشير إلى أن أردوغان مازال مستمراً في عنجهيته ومغامراته البهلوانية في سورية وليبيا رغم هشاشة وضعه الداخلي كما أظهرته انتخابات عام 2019 التي خسر فيها حزبه أهم مدينتين (أنقرة واسطنبول)، إلى جانب فشله الذريع في التصدي لجائحة كورونا.