خياران لا ثالث لهما: إما النهوض أو الانقراض!
محمد علي شعبان:
صحيح أن من حق كل إنسان أن يحلم، والصحيح أيضاً أن يكون واقعياً في حلمه، أي أن يكون قابلاً للتحقق، وله في الواقع أساسٌ وأدوات تساعد في تحقيقه. وإن لم يكن كذلك يصبح الحلم مدمراً للحالم، ولمن حوله.
لذلك نجد العديد من البشر ضحايا أحلام غير واقعية، أصبحت حالتهم مأساوية، بعد انكشاف أحلامهم الوهمية.
هذا على مستوى الأفراد. والأمر أكثر تعقيداً عند المجموعات أو الشعوب.
لقد تقدمت معظم الأحزاب السياسية، منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، برؤى وبرامج، تعبر فيها عن تطلعاتها للمستقبل بأشكال مختلفة.
بعض هذه الأحزاب كان يطمح إلى توحيد سورية الكبرى، التي تضم سورية والعراق وفلسطين والأردن وقبرص.
صحيح أنه حلم جميل ونرغب في تحقيقه، لكنه غير قابل للتحقق، لما يحمل من تناقضات مع الحالمين بتوحيد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
وهناك من يريد توحيد العالم العربي على أساس إسلامي، باعتبار أن غالبية الدول العربية مسلمين.
والبعض من المسلمين يحلمون بعودة الإمبراطورية الإسلامية متجاهلين أن هذا الحلم يحمل في داخله مكونات إفشاله، مثله كمثل الأحلام الأخرى.
ولم يخطر ببال الحالمين أن جميع هذه الأحلام ستموت معاً، لما تحمل من تناقضات حقيقية في داخلها.
كيف نحلم بتوحيد الأمة العربية، دون الخروج من تناقضات ما قبل الأمة التي تدار شؤون البلدان على أساسها؟!
مع بداية هذه الأحلام جميعها، تم اختراق مشروع الوحدة العربية من جهة، ومشروع الوحدة الإسلامية من جهة ثانية، وذلك عندما احتل الكيان الصهيوني، الأراضي الفلسطينية، وشرد شعبها. وتقدم العرب بشعارات رنانة عن التحرير، كانت الأصوات ترتفع من المحيط إلى الخليج، دون فعل يذكر إلا من قبل بعض الدول التي احتضنت النازحين وقدمت لهم بعض المساعدات.
وهكذا فعلت الدول الإسلامية غير العربية. ومنذ أربعينيات القرن الماضي، تؤكد المؤتمراتُ والقمم العربية والإسلامية حقَّ الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه، لكنها لم تفعل شيئاً من أجل ذلك. وجلّ ما فعلته أنها أقامت علاقات سرية مع الكيان الصهيوني، تخلّلها دعم مالي وتعاون في بعض القضايا الأمنية.
لكن رغم هدير شعارات التحرير لم يتناسَ الحكام العرب التعبير عن رغبتهم بإقامة سلام عادل مع الكيان الصهيوني.
ورغم تأكيدات القادة العرب أصحاب المعالي والسمو والفخامة، أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية، إلا أنهم لم يتقدموا باتجاه حلها، سوى بالشعارات.
وما دامت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية المشتركة للقوميين العرب، والقوميين السوريين، ومنظمة الدول الإسلامية، وباقي المنظمات الفلسطينية، وجميع هذه القوى لم تفرض حلاً عملياً، ينهي معاناة الشعب الفلسطيني، رغم كل ما يقال بالمحافل العربية والإسلامية، دليلاً واضحاً، على عجز هذه المشاريع مجتمعة على النهوض والنجاح، لا لأنها تحمل داخلها العديد من التناقضات تمنعها من النجاح فقط. بل سقوطها بالاختبار الأول تجاه الكيان الغاصب. ومنذ ما يقارب 72عاماً لم نلحظ اهتماماً بمراجعة أو إجابات جدية عن هذا العجز سوى الانتقال من تراجع إلى آخر. فشعار الوحدة العربية تحول إلى التضامن العربي، ثم إلى التلاحم القطري
الذي أفضى في نهاية المطاف إلى عدة خطوات، تعتبر وصمة عار على جبين الأمتين العربية والإسلامية. وأهم هذه الخطوات:
1-توقيع معاهدة سلام بين مصر العروبة كما يسمونها، والكيان الصهيوني، أدت الى تقييد مصر وعزلها، وإغراقها في همومها الداخلية بعيداً عن القضية الفلسطينية، ولم يتوقف التراجع عند هذا الحد.
لقد توافق القادة العرب على إقامة سلام بين الدول العربية والكيان، برعاية أمريكية ادت إلى:
1- انقسام الصف العربي إلى عدة وفود للمفاوضات. كان واضحاً أن القضية الفلسطينية بدأت تتحلل وخاصةً عندما ظهرت رغبة ملك الأردن بإقامة سلام وعلاقات علنية مع الكيان.
2-عقدت اتفاقيتا أوسلو ووادي عربة، وتنازلت الأمتان العربية والاسلامية عن جميع الشعارات القديمة، التي كنا نسمعها بنهاية قممهم المتكررة.
في نهاية الاختبار تبين أن أحلام العروبيين والسوريين، ليست إلا رغبات غير قابلة للتحقيق، لأن الأبنية القوية والمتينة التي تواجه الأعاصير، لا يمكن أن تُبنى من الأعلى.
لقد طرح العرب شعارات غير قابلة للتحقق، لسببين أساسيين:
الأول خارجي، يتلخص برفص جميع دول الجوار، والدول الكبرى إقامة وحدة عربية. والعمل على عرقلة أي اتفاق يفضي إلى ذلك، ذلك أن مخاطر الوحدة كبيرة على الدول، التي لها داخل الدول العربية أطماعٌ يصعب تحقيقها في حالة الوحدة.
الثاني داخلي، يتمظهر بعدة أشياء:
1-عدم رغبة دول النفط بإقامة الوحدة بينها وبين الدول غير النفطية.
2-عدم التوافق الفكري والثقافي تجاه العديد من القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على بنية الدولة وطبيعة الحكم فيها.
ولم تخفِ السعودية قلقها وتخوفها من المد القومي العربي أثناء تغيير النظام في اليمن.
3-الخلافات العربية -العربية على زعامة الأمة لها الدور الأكبر داخلياً وخارجياً.
لذلك أقول: إن هناك صعوبة حقيقية لجمع التناقضات العربية في مشروع واحد، ما لم يضع القادة العرب في أولوياتهم حل مسألة المواطنة في المقام الأول. والعمل على بناء مواطنين وليس رعايا، ليشعر المواطن العربي أن ما يجمعه مع العربي الآخر أشياء مصيرية.
عندما يشاهد المواطن المصري أو السوري المواطنين الخليجيين بالسيارات الفاخرة يشعر وكأن لا شيء يجمعه مع هؤلاء.
لهذه الأسباب مجتمعة وغيرها فشل العرب بتحقيق أحلامهم.
فهل سيفكرون جدياً بحلم جامع أسوة بالشعوب والدول التي أقامت اتحادات وتحالفات، أو سنسير من سيئ إلى أسوأ؟!
إن التغييرات القادمة على النظام العالمي الجديد ستنعكس بالضرورة على باقي الشعوب، والحكومات في العالم.
فهل سيبادر العرب الى إعادة تموضع جديد، ينسجم مع مصالحهم، أو سيبقون أدوات لمشاريع إقليمية ودولية، لا تريد لهم النهوض. ويسجل التاريخ أن أمة العرب قد نهضت من نومها العميق. أو انقرضت بسبب عدم مواكبتها تطورات العصر. هذا رهنٌ بالأجيال الجديدة القادمة.