كورونا والنفط الأمريكي والانهيار التاريخي
د. سنان علي ديب:
لم تقتصر النتائج الخطيرة لكورونا على النواحي الصحية والانسانية ولا الاجتماعية ولم تزعزع العولمة، وإنما كما قلنا سابقا بدأ طباخ سم العولمة يشرب منه من كل النواحي، ومن كان يقذف النار إلى ملاعب الآخرين أصبحت ملاعبه وحقوله ميداناً للنار، ولن ندخل بتفاصيل الإصابات والموتى ومعللاتها، والتي نحزن ونأسف عليها من أبواب قيمنا ومناشئنا وأخلاقياتنا التي رضعناها من روحانيات نبعت من أراضينا.
ما جعلنا نسرع بهذه المقالة هو الهبوط الحاد والسريع لأسعار النفط الأمريكي، فلم تنفع الضغوط على أوبك لتخفيض الإنتاج، فلكل منطقة خصوصيتها ولكل صناعة ظروفها وشروطها، ومن هنا فموضوع الانخفاض كان أكثره شدة بأمريكا التي تعتمد على النفط الصخري بشكل كبير رغم أن تكاليفه أكثر، ورغم تداعيات الأزمة فإن الشركات الأمريكية لم تقم بتخفيض الإنتاج بالسرعة المطلوبة، الأمر الذي أدى لانخفاض عقود النفط لشهر أيار (مايو) لخام نايمكس ولسعر ناقص ٣٧ دولاراً للبرميل، بمعنى المورد يدفع لمن يأخذ النفط منه ويخزنه لديه، ولهذا أسبابه، وكذلك انخفض خام برنت ٢٦ دولاراً. فمن المؤكد كان هناك تراجع حاد بالطلب مع استمرار الإنتاج من دون كوابح أو ضوابط، فأسواق النفط تسبح بكميات كبيرة وامتلات الخزانات حتى اضطروا لتخزين النفط بالناقلات وكلفة التخزين ارتفعت بشكل كبير، وضمن هذه الظروف يواجه المستثمرون مشكلة صعبة، فمواعيد الاستجرار تنتهي الليلة ضمن مشكلة عدم تهيئهم لشرائها لعدم وجود أماكن للتخزين، وبالتالي يضطر المشتري أن يدفع كلفة التخزين كبيرة، وحزيران استقر على ٢٠ دولار، المشكلة نمر بمرحلة تاريخية فريدة ضمن القرن الحادي والعشرين ولا أحد يستطيع أن يقر بامتلاك الخبرة الكاملة للتنبؤ أو للتوقع، فالذي حصل قليل وفريد فما انهار الطلب بـ٢٥ و٣٠ بالمئة سابقاً ضمن مدة زمنية قصيرة وبتوقيت مفاجئ ولأسباب مفاجئة، والذي حصل ضمن الإجراءات الحكومية للدول الكبرى ولأغلب دول العالم وإغلاق الاقتصاد بكل أنواعه ومنع السفر بين الدول مؤكد أدى لانخفاض الطلب، وبذلك فمن أقاموا عقود أيار اضطروا للبيع بأيّ سعر حتى دولار وعقود حزيران ٢٠ دولاراً، لو زاد عليها فإن القدرات التخزينية قلت ولم تكن مرنة وزادت تكاليفها، ومع انخفاض الطلب على النفط زادت الكميات التي يحتاج لتخزينها، كذلك هناك رسوم وتكلفة لنقل النفط المتعاقد عليه، مما يجعل المورد مضطراً لدفع أموال بأقل كلفة ليمكن من عدم الاستجرار.. وقد يكون السعر السلبي إيجابياً للنفط الأمريكي لتعيد هيكلة السوق من حيث الإنتاج. حجم التخزين وصل لحدود ٩٠ بالمئة فالمضاربة والتفاوض الحاد من أجل استقبال الكمية من مالكي المخازن.
أما في دولنا فلا يسعر النفط حسب غرب نايمكس الذي يستخدم داخل الاراضي الأمريكية البعيدة عن الموانئ تكلفة لنقلها عامل سلبي، وبعد الضغط خفضت دول أوبك بلاست إنتاجها، ولكن قد يكون غير كاف لكون الطلب هبط علماً أن أوبك تراعي جوانب تقنية وفنية.
واليوم لولا خفض الإنتاج ٣٠ أو ٤٠ مليون برميل وعاد الطلب في أوربا وأمريكا وشرق آسيا بعد أيار سيكون الأمر معاكساً، وأوبك راعت الظروف ووضعت خططاً لتخفيض الإنتاج ١٠ ملايين ثم ثمانية ملايين وستة ملايين. ونقول في هذه الظروف الوضع الاقتصادي مرتبك، وقد هبط الطلب دون مقدمات. وستعود البلدان للطلب حسب القدرة على الإحاطة بكورونا وإعادة الحياة الاقتصادية تبعاً لمراحل العلاج، وبالتالي سيسعون لإيجابية تخفيض الإنتاج لإعادة التوازن لأننا لا نستطيع تحفيز الطلب وقد تضطر بعض الدول أو الشركات لوقف الإنتاج وخفض الإنتاج لعدة أشهر بحيث يعاد السعر المنتج. وبالتالي على الشركات أن تصحح أوضاعها ولن تقوم أوبك دوماً بدعم الصناعة النفطية الأمريكية، وهذا سيفرض هيكلة القطاع النفطي الأمريكي ويطيح بالمنتجين غير الأكفاء وسيخرجون وسيكون السوق للأكفأ. وكذلك وول ستريت ستغير مدى المخاطرة بتمويل شركات النفط. ويبقى تحليلنا ضمن الأدوات الاقتصادية وعبر الجدوى الاقتصادية للاستثمار بمجال النفط ضمن العرض والطلب.
ويبقى الاحتمال الآخر هو اللجوء لأدوات ضغط أخرى عبر أوراق القوة التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي التوقعات مفتوحة وقد تكون الضغوط حتى التهديد باستعمال القوة، لضمان استمرار التفوق والتفرد الأمريكي ولاستمرار الأمركة المتغطرسة المتنمرة غير المتقبلة لأي هزيمة أو انكسار.