عدالة لا أدري هل نحن نعيشها
وعد حسون نصر:
العدالة الاجتماعية التي تُعتبر أحد النظم الاجتماعيّة التي من خلالها يتمّ تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع من حيث المساواة في فرص العمل، وتوزيع الثروات، والامتيازات، والحقوق السياسيّة، وفرص التعليم، والرعاية الصحيّة وغير ذلك، وبالتالي يتمتّع جميع أفراد المجتمع بغضّ النظر عن الجنس، أو العرق، أو الديانة، أو المستوى الاقتصاديّ، بعيش حياة كريمة بعيداً عن التحيّز، والتي يُعتبر أهم مقوماتها أو أركانها، المحبة، تحقيق الكرامة الإنسانية ونشر المساواة، والتضامن بين جميع أفراد المجتمع، واحترام وتعزيز مفهوم العدالة الاجتماعية.
لكن، إلى أيّ حدٍّ نحن نعيش داخل مجتمعنا العربي بشكل عام، والسوري بشكل خاص هذه العدالة ونُحاط بها ونحن نتعرّض لأخطر معوقاتها من عدم المساواة في توزيع الدخل بين الأفراد على المستوى العام، إلى غياب الحريّة وانتشار الظلم والفساد والمحسوبيّة، عدم المساواة في توزيع الموارد، كذلك عدم المساواة في توزيع فرص العمل، كما لا ننسى الموارد الطبيعية والتي هي ملك للجميع، والتي تُحتكر من قبل قلّة قليلة في ظلّ غيابها عن الجميع، ضياع الضمان الاجتماعي وتغييبه عن المواطن، عدم المساواة في الحصول على فرص التعلم، كل هذا حال ووقف في وجه العدالة الاجتماعية في بلدنا، وكذلك أيضاً في ما يُسمى ببلدان العالم الثالث التي مازالت محكومة بوصاية خارجية وفساد داخلي.
ولأننا بصدد التحدّث عن العدالة في بلدي الحبيب أقول أيّة عدالة وقد نام الطفل مدفون الأحلام تحت أنقاض القهر، وبلّلت أمه ثيابه بدموع الذل وقسوة الفقر، وقد ضاع أبوه تحت فسحة السماء راكضاً يبحث عن سقف، والسقف تهدّم فأصبحنا كلُّنا متشردين في أصقاع العالم، ولم تعد الأرض تتّسع لتحضن رفاتنا ولا السماء تنشق لتأخذ أمنياتنا علّها تمطرها لنا فرحاً بغدٍ يسوده التسامح والمساواة.
لذا، ما علينا إلاّ أن نُعزّز مفهوم العدالة الاجتماعية لتتّسع لكل طموحاتنا، لعلمنا لأحلامنا لإنسانيتنا، وذلك من خلال تقبّل التنوّع والتواصل مع الأفراد الذين ينتمون إلى أعراق وثقافات وديانات مختلفة بهدف بناء علاقة صداقة معهم، وفهم ثقافاتهم وتقبّل الاختلافات الفكريّة، ومعرفة أوجه التحيّز في المجتمع والقضاء عليها، ومعرفة القضايا التي تؤثّر على الأفراد الذين ينتمون لثقافات مختلفة ومحاولة مساعدتهم، ويمكن أن يكون ذلك من خلال زيارة الأحياء والمجتمعات التي يعيشون فيها، دعم المنظّمات المحليّة التي تنادي بتحقيق المساواة، من خلال حضور الندوات أو توقيع العرائض التي تدعو إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة.
التطوّع في الأعمال الخيريّة المختلفة، الاستماع للآخرين ومعرفة توجّهاتهم وما يشعرون به واحترام آرائهم، نشر الوعي بأهمية العدالة الاجتماعيّة بين الأهل والأصدقاء وزملاء العمل وفي المجتمع، سواءً عن طريق الحوار المباشر، أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتبقى العدالة بمفهومها العام والذي يندرج تحت مفهوم علاقتنا بالمؤسسات العامة والقوانين والأحكام، وبين مفهومها على الصعيد الخاص وما ينبغي أن يكون عليه سلوكنا الشخصي، العدالة الفاضلة التي نسعى إليها لكي نكون هؤلاء الأفراد الفاضلين أصحاب القيم ونسمو لتحقيق المساواة بيننا جميعاً كأفراد مجتمع تسود بينهم علاقة حميمة قوامها العدل، ولكي نعيش هذه العلاقة الإنسانية وحميمية العدالة فيها علينا أن نتخلى عن فكرة الأنانية المتوارثة، وندرك أن الوطن يتسع لنا جميعاً فنبني علاقة جيدة بين حقوقنا وواجباتنا، نعمل من أجل التطور لذاتنا قبل كل شيء، لأن تطوّرنا سوف يصنع مجد الوطن، وإن كان المسؤولين في وطني يقسّمون خيراته بينهم ويمدونا بالقليل القليل منها.
لذلك لابدّ أن نُعزّز مفهوم العدالة ليحلّ السلام وتنمو المساواة، وبالتالي لا يمكن أن أصف أوطاننا بالمدن الفاضلة فقادتها قتلوا فينا الفضيلة، وحجبوا عنّا العدالة وبتنا حفاة عراة نجوب المدن لنُعزّز بذاتنا كرامتنا والفضيلة، ونُغمّس الحياة بلقمة ممزوجة بقهرنا، فليت العدالة تزورنا لترتبط بنا وبمجتمعنا الذي يحلم بعدالة اجتماعية حقيقية تسود الأرض.