أيّ وطن من دون رفاهية ساكنيه؟

د. سنان علي ديب:

توجه الدول المتطورة والمتقدمة جلّ اهتمامها وتكرس جهودها لرفاهية شعبها القاطن في حيّزها الجغرافي، وذلك بتسخير نموها الاقتصادي لزيادة التنمية بمختلف أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والثقافية، وللتنمية السياسية دور مركزي في ذلك. ولذلك تعمل ببوصلة استمرارية التنمية وتوازنها واستقلاليتها. فديمومة التنمية معيار لسلامة الأداء وللحماية القوية للوطن، فهذه الديمومة تحافظ على الأمن العام عبر الحفاظ على الأمن والأمان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهذا ما نلاحظه في الدول الغربية المستعمرة ووريثة الاستعمار، فمواطنوها خط أحمر، ممنوع المساس بأي شيء يخص حياتهم المعيشية والنفسية من اقتصاد وثقافة وعلاقات وعادات وكرامة، وكل شيء مقونن، وأي تغيير يجب أن يلاقي القبول الشعبي عبر المؤسسات المنوط بها تغيير القوانين والتشريعات. فمن الجريمة والاستحالة تمرير أي جزئية والقانون مترصد لكل تجاوز. وهذه الصلابة الداخلية عبر تحصين المواطن قوة للحرية المنفلتة على الدول الأخرى كل حسب قوتها وقوة مناعتها ومقاومتها. فاللعبة الاقتصادية أساس العالم ومحركه وبوصلة تغيير العلاقات البينية لدوله ولقائد الاوركسترا للآن الكلمة الفصل.

للأسف، التخندق العالمي بعد تفشيل التجربة الروسية وغزو العالم ثقافياً وعسكرياً وأخلاقياً تفرد الأمريكي بعنجهية بقيادة العالم وفرض الفوضى في كل شيء وحتى في الاقتصاد، بفرض برامج واحدة جاهزة للجميع لا تناسب خصوصيات أغلب الدول، الأمر الذي شوه بُناها ومزق أنسجتها وصنع فجوة بين الحكومات والشعوب، وأصبحت المواطنة في حالة مرضية وبحاجة إلى علاجات قوية بعدما عجزت الأدوية المسكّنة والتخديرية عن الشفاء. ويكون أي ربيع قادم منطلقه العلاج الذي يعيد المواطنة عبر تقوية الشعب اقتصادياً واجتماعياً من خلال برامج تنموية علنية تحسن المؤشرات والمخرجات وتنعكس على صلابة الشعب عبر تقوية الانتماء وتحقيق المواطنة.

المواطن هو بوصلة لقياس الأداء وأي نمو لا ينعكس عليه تنموياً هو دليل فشل، عبر الجهل والتقصير أو عبر برامج مسبقة غايتها استمرار الضعف والتهيئة اعتماداً على القراءة الخاطئة للواقع أو على إرضاء مغلوط لشخوص أو لدول ومؤسسات ارتأت الإرهاب والارتهان الاقتصادي الأداة الأقوى لتحقيق ما عجز عنه باقي الإرهاب.

الأوطان لا تقوم ولا تقوى إلا بقوة أبنائها. لذلك حصِّنوا المواطن يتحصّن ويقوى الوطن.

العدد 1102 - 03/4/2024