الطفل.. مستقبل البلد

في البلدان المتقدمة، ذات الحضارة والعلم والرقيّ الأخلاقي، نجد أن مسؤولي التربية والطفلولة فيها يعملون يداً بيد لبناء طفل بأخلاقٍ عالية وتعاليمٍ سامية، تلك الأخلاق والتعاليم التي تسمو بالبلاد والشعوب، والتي تجعل من أطفالهم بناةً حقيقيين، بناة علمٍ وعمل، يساندون بعضهم في الأزمات، يقفون بإنسانيّةٍ عند الشدائد والظروف الإنسانية المختلفة، عند الأمراض والمحن، عند الحروب والزلازل، ويتسامون عن كل الماديات والنزعات أمام ظروفهم المستجدة.

هكذا يكون العلم مع القيم، ويكون نتاجاً من بلادٍ تسمو بأولادها. هذا ما سعوا أن لا تصل إليه بلادنا، حاولوا كثيراً أن يزرعوا بأطفالنا كلّ سلبيات الحياة حتى لا تتطور سوريتنا الحبيبة، زرعوا بذاكرتهم خراب بيوتهم، ودماء آبائهم، وجثث إخوتهم، رسموا بخيالهم رصاص الحقد وغدر المدافع ولحى الذبح. غرسوا فيهم أنهم إن أرادوا أن يعيشوا فعليهم أن يقتلوا من يخالفهم الرأي والدين والطائفة. وإن أرادوا أن يأكلوا فعليهم أن يتركوا علمهم حالياً ويذهبوا لأي عملٍ كان، عتالة أو تسوّلٍ أو بيعٍ أو أيّ شيءٍ آخر بعيداً عن القلم والكتاب.

وكم هو صعبٌ وقاسٍ مستقبل الوطن دون علم، و بلا أفرادٍ حاملين لراية التطور والنهضة والثقافة طيات عقولهم. 

الآن، وفي ظل الوضع الراهن للبلد، في هذه الحرب والكوارث الإنسانية من تشرد وموت وجوع وهجرة، صار الكثير من الأطفال خارج المدارس، فإما أنهم لم يدخلوها أصلاً، أو تأخروا صفوفاً عديدة بسبب عدم قدرتهم على الانتظام في المدرسة.

فكم هو خطيرٌ ذلك الجهل الذي سيستشري في بلادنا بعد فترة، وكم سيكون هناك من أميّة وتخلّف بشكلٍ ملحوظ، مما سيزيد التشرد وقلة العمل الاحترافي، وبالتالي ستعود البلاد لاستجلاب الخبرات والأيدي العاملة المتعلمة من الخارج  لعدم توافرها لدينا، إضافة إلى ارتفاع قيمة تكاليف الرواتب والأجور لتلك الخبرات مقابل الأجور البخسة لأهل البلد الذين ستنحصر مهن الكثير منهم بأعمال العتالة والبناء والحدادة وما شابه، رغم أهميتها وقيمتها، لكن لا بدّ من وجود باقي المهن الأرقى من هندسة وإدارة وموارد بشرية وطب وما شابه، فإن أصبح معظم أبناء البلد عمال درجة رابعة أو خامسة فقط، هنا تكمن الكارثة، كارثة علمية من جهة، ونفسية من جهة أخرى، حيث سيشعر السوري أنه غريب في بلده كما يشعر الآن بغربته في بلاد العرب والغرب، إضافة إلى الكارثة المادية المتمثّلة بالأجور القليلة التي سيجنيها أولئك العمّال بسبب تدني مستوى تعليمهم وتأهيلهم، مما سيرفع نسب الجوع والفقر، وسيجعل من أولادهم مجدداً عمالاً لعدم قدرتهم على تعليمهم.

ومستقبلاً، ستصبح بلادنا من العالم الرابع، لا علم ولا نضج ولا مال، وحينها سيستولي من لهم مصلحة فيما يجري اليوم على البشر ويحركونهم كدمى تعمل لمصالحهم، وسيحتلون أرضنا وفق حدود دولتهم الوهمية – دولة بني إسرائيل، من النيل حتى الفرات -.

كم هو سهلٌ تخريب العقول إن كان العقل خالياً من أيّ تسلح معرفي ومحاكمات عقلية علمية، لذا دمروا كل الأشياء القديمة والحضارات والتراث، وبدؤوا ببناء مستقبل على رمادنا، وجثث عقول أطفالنا التي يريدون حرمانها من كل نعمةٍ وخيرٍ موجود على أرض العشق سورية.

والحلّ لهذه الحرب على الطفل باني المستقبل، هو أن نشدّ عزمنا سويّاً، ونحاول، بمبادراتٍ شبابية ومنظمات إنسانية سورية وعالمية لحقوق الطفل، أن نجمع ما شتته الحرب، نجمع أطفال الأسر التي تسكن المدارس ونقوم بتعليمها بشتى الطرق، إضافة لوجوب عمل إحصائيات حقيقية على أرض الواقع لعدد الأطفال المتسربين من المدارس، ومحاولة إعادتهم لحضن العلم والمستقبل.

هو بلدنا، هم أطفالنا ومستقبلنا، بهم تعمّر الدار، وتزرع ثمار المحبة والسلام والتطور…

فدعونا نستثمرهم لبناء الغد الرغيد، والمستقبل الجميل، والعلم الواعد.. سورية بتستاهل.

العدد 1105 - 01/5/2024