محاربة الفساد والإصلاح الإداري

قبل الأزمة الحالية وبسبب ترهل العمل والأداء في المؤسسات والشركات الحكومية، بادر البعض من الاقتصاديين والمهتمين والمعنيين في بعض الوزارات، بعرض مجموعة من الأفكار والخيارات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى معالجة الأمراض والمشكلات التي تواجهها المؤسسات والشركات العامة الخاسرة، وكان ضمن الخيارات الأكثر حضوراً السعي إلى عرض هذه المؤسسات والشركات للبيع في المزاد العلني لمن يرغب من التجار ورجال الأعمال والمستثمرين، وهناك مجموعة من الشركات العامة شقت طريقها إلى الاستثمار الخاص، وتمكنت من تحقيق ريعية اقتصادية نسبياً عن واقع العمل السابق.. غير أن السؤال في مثل هذه الحالة: هل تشكل خصخصة بعض شركات القطاع العام ومؤسساته خياراً لمعالجة الأداء الاقتصادي السوري؟ وهل بيع أصول القطاع العام وموجوداته للقطاع الخاص، سوف يعني انتقال الشركات والمؤسسات الخاسرة من حسابات الخسارة إلى حسابات الربح الأكيد؟

وهنا لابد من السؤال أيضاً: من المسؤول عن الركود؟

الاعتقاد السائد لدى بعض الاقتصاديين أن القطاع العام يبدو كما لو كان المسؤول الأول عن الركود الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ فترة سبقت الأزمة الحالية بسنوات، وأنه سبب من أسباب عدم توازن الرواتب والأجور مع حقيقة المتطلبات المعيشية، إلى جانب الكثير من الملاحظات المشوهة يبديها البعض في كثير من المناسبات، وهؤلاء أنفسهم يعتقدون أنه ولمجرد مبادرة الحكومة لبيع أصول هذه الشركات وموجوداتها إلى القطاع الخاص، فذلك سيعني إخراجها من دائرة الخسارة إلى دائرة الربح، وأن إنتاجها سيبدأ بشق الطريق نحو رحلة المنافسة العالمية، فضلاً عن إمكان مضاعفة رواتب العمال والموظفين وأجورهم والارتقاء بواقعهم المعيشي والاقتصادي.

ببساطة شديدة الأمر ليس على هذا النحو أبداً، فبعض الشركات والمؤسسات المنتمية إلى القطاع العام قد يتعذر خصخصتها، سواء كانت صناعية أم غير صناعية، وهي بالأساس قد لا تجد من يرغب في الإقبال على شرائها من جانب القطاع الخاص، لأنها، بغية خصخصتها، بحاجة إلى توفير شروط لا حصر لها على مستوى إعادة التأهيل، كما أن بعض الشركات العالمية التي غالباً ما تقوم بشراء أصول بعض الشركات في العالم الثالث، ليس بالضرورة أن تبقي على الشركة ذاتها التي هي موضوع الشراء، وإنما هي تقوم بهذه الخطوة، لإزاحتها عن ساحة المنافسة لسلعة محددة ومن نمط معين، وهي تقوم بإنتاجها في بلد آخر، وبالتالي فالشركة التي هي موضوع الخصخصخة ستذهب إلى دائرة النسيان وتغيب كلياً عن الوجود.

ولعل وجه المفارقة الذي يستدعي شيئاً من الضحك والبكاء وفي آن واحد، أن يتم الترويج لمفهوم الخصخصة في بلد مثل سورية التي يواجه فيها القطاع الخاص الصناعي وغير الصناعي الكثير من الأمراض التي تتجاوز في بعض الحالات الأمراض التي تحكم منشآت القطاع العام، وضمن هذا المعيار نسأل: كيف يمكن لمريض شديد الإعياء أن يعالج آخر أقل إعياء؟ وكيف يمكن أيضاً انتشال شركة معينة من مشكلاتها من جانب طرف آخر يغوص في مشكلاته؟!

لا نقصد من هذا الكلام التقليل من شأن القطاع الخاص السوري، فالدور الذي يقدمه قد لا يقل شأناً عن الدور الذي يقدمه القطاع العام؟

غير أن السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين: هل ذلك يعني الإبقاء على واقع الشركات العامة كما هو عليه وتحمّل الخسائر الناجمة عن البطالة المقنعة وتراجع أداء الإنتاج وغياب المنافسة السلعية؟

بالضرورة المسألة ليست على هذا النحو أبداً، فالأمر الذي يتعين الاعتراف به مسبقاً وإقراره كي يستقيم هذا الجدل ويؤدي إلى نتائج صحيحة نسبياً، هو السعي إلى تكريس لغة المصارحة والشفافية التي يفترض أن تؤدي إلى شيء من الواقعية.

فعلى سبيل المثال، إذا كان التطوير والتحديث على مدار أكثر من عقد هو الشعار الأبرز في مسيرتنا الاقتصادية، لابد في هذه الحالة من مواصلة مسيرة مكافحة الفساد، وهذا الأخير ليس مقروناً فقط بالرشوة وشراء ذمم البعض والاختلاسات شبه اليومية التي نسمع عنها في هذه الشركة أو تلك المؤسسة، وإنما يمتد ليصل إلى الفساد الإداري، الذي هو أيضاً أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى فشل أداء بعض الشركات، إن لم نقل جميعها.

فالنهوض في قضايا الإصلاح الإداري هو من الشروط التي سوف تؤدي حكماً إلى مكافحة الفساد، فتجارب الشعوب على مدار العقود الماضية تشير بشيء من الوضوح الذي لا يحتمل أي لبس إلى أن الارتقاء بالأداء الإداري لابد أن يعكس ذاته بارتقاء مماثل على الصعيدين الاقتصادي والاستثماري، أي أنه سيأتي بطرق تلقائية، فالكثير من النتائج والاجتهادات التي خرجت بها بعض اللجان التي تشكلت في السنوات الأخيرة في أكثر من وزارة ومؤسسة بهدف تقييم الأداء، أكدت أن معوقات الصناعة والاستثمار في سورية تنحصر أساساً بمشكلتين (إدارية وروتينية)، وكذلك في عدم النهوض بالإصلاح الإداري الذي قد يفضي إلى محاربة الفساد، الفساد الذي هو جوهر الفشل وأساسه الذي تشهده بعض شركات القطاع العام ومؤسساته.

العدد 1102 - 03/4/2024