مشاكل الأطفال مع المدرسة!

الأمر الّذي على الأهل والمربين أن يؤمنوا به هو أن للعديد من الأطفال قدراً كبيراً من الذّكاء، أكثر مما تظهره المدرسة. وللأسف في الكثير من الأحيان يتم إقناع العديد من الآباء بأنّ هناك خللاً ما بأولادهم، على الرغم من أنّ ذلك يكون غير صحيح.

الحقيقة هي أنّ الفصول التّقليدية والأنظمة غير المرنة للقياس والتّقييم والأساليب الموضوعة قد لا تناسب جميع الأطفال. فالأهل يعرفون أنّ طفلهم ذكي ولديه إمكانات، ويفهمون أنّ أطفالهم بحاجة إلى تعلّم النّظام والتّنظيم. ولكن ما الّذي يحدث؟ لماذا يدخل الأطفال في صراع دائم مع نظام المدرسة؟! إلى أي مدى يمكن أن تكون المدرسة مشكلة كبيرة؟! وكيف يُمكن للآباء ما أن يفرقوا إذا ما كان أبناؤهم يعانون نقصاً في المهارات الأساسية، أم هم فقط لا يتوافقون مع القالب التّقليدي؟!

من الواضح أنّه لا توجد إجابات بسيطة، فمهمة الأهل والمربين مساعدة أطفالنا على تحديد قوى أساليب تعلّمهم، عندئذ يمكن إدراك لماذا أصبحت تلك القوى عائقاً، عندما يجبرون على مواجهة العديد من المتطلبات الأكاديمية في الصّفّ.

ألقت المربية (سينثيا أوليرش توبياس) في كتابها (تعلّم لغة طفلك) بعض الضّوء على العقبات الماثلة أمام كلّ أسلوب من أساليب التّعلّم، وقد أوردتها على النّحو الآتي:

المشكلات الخاصّة بأساليب التّعلّم؟!

1- المتعلّم السّمعي:

العقبة الأولى: عدم القدرة على الالتزام بالصمت داخل الصّف. وذلك بسبب الحاجة إلى تفعيل عمليات تفكيرهم. ونلاحظ في كثير من الأحيان أنّ هؤلاء الأطفال لا يدركون حتّى أنّهم يتكلّمون. فبمجرد أن تنطق المعلّمة بشيء له صداه عندهم، يتجهون بسرعة إلى صديقٍ لهم للتحدّث عن هذا الموضوع. وبما أنّ التّحدث مع التّلاميذ الآخرين كثيراً ما يثير الغضب في الفصول التّقليدية، فإنّ المتعلّم السّمعي يجد بعض التّعليقات عنه في تقرير المدرسة، مثل: (يحتاج أن يتدّرب أكثر على إتقان مهارة الاستماع، أو لديه مشكلة في التّركيز داخل الصّفّ أثناء الحصّة الدّراسيّة).

الحل: على المعلّمة أن تتناقش مع تلاميذها عن وجود وقت محدد للتكلّم داخل الصّفّ. كما على المعلّمة والأهل التّعاون على مساعدة الطّفل السّمعي بالتّدرب على تفعيل الأفكار لنفسه قبل التّكلّم بها مع شخص آخر.

العقبة الثّانية: القراءة في صمت. يفضل معظم الأطفال السّمعيين القراءة بصوتٍ مرتفع، وذلك لكي يتمكنوا من تذكّر ما يقرؤونه، وإذا أجبروا على القراءة بصمت، نجدهم يقرؤون ببطء لأنّهم بحاجة إلى تفعيل كلّ كلمة لأنفسهم، أيّ أصوات أخرى قد تصدر داخل حجرة الصّفّ أثناء محاولتهم القراءة قد تكون أكثر ضخامة وتشتّتاً، لأنّهم يحاولون دائماً الاستماع إلى أصواتهم الخاصّة.

الحل: لا تضغط عليهم لكي يقرؤوا بسرعة أكثر ماداموا يبدون مستوى مناسباً من الفهم والتّذكّر، وعلى المعلّمة إدراك أنّ التلميذ السّمعي هو بحاجة إلى تحريك شفتيه أثناء القراءة في بعض الأحيان.

العقبة الثّالثة: الاندفاع في تقديم الإجابات عوضاً عن طلب الإذن أولاً للحديث. بما أنّ الطّفل السّمعي يميل إلى التّفكير بصوتٍ مرتفع، فمن الصّعب أن توقف الأفكار عن فيضانها في كلمات، ونلاحظ أنّه لا يدرك أنّه يتكلّم إلا بعد تعرضه لمشكلة بسبب ذلك.

الحل: من الممكن تدريب الطّفل السّمعي على تجنب التّكلم وذلك من خلال لعبة (منديل الحكمة)، أقترح تطبيقها أثناء الحصّة الدّرسيّة: تمسك المعلّمة بيدها منديلاً تُسمّيه منديل الحكمة، وتطلب من التّلاميذ أنّ من يحمل المنديل هو فقط صاحب الحق بالتحدث والمشاركة، وهكذا نرى أنّ الأطفال داخل الصّفّ يستجيبون لقانون اللّعبة، لكي يحصلوا على المنديل والتّحدث.

2- المتعلّم البصري:

العقبة الأولى: الاستماع إلى الدّرس دون توفر وسائل بصرية. فسرعان ما يفقد جميع المتعلّمين البصريين تركيزهم إن لم يجدوا أمامهم شيئاً لتركيز بصرهم عليه. عند ذلك، أيّ شيء بسيط يشتت انتباههم مثل ملصقات على الجدار، أصوات الأشخاص الّذين يخرجون من الصّفّ، وهكذا… وقد تلاحظ المعلّمة أنّ هؤلاء لا يركزون بالدّرس، وتوجه لهم الملاحظة الآتية: (بمَ تحلمون؟ هل تفكرون بأفلام كرتون؟).

الحل: من الضّروري جداً إدراك أهمية وجود شيء يساعد هؤلاء الأطفال على تركيز خيالهم أثناء الاستماع، من المكن مساعدة التّلاميذ على تدبير بعض الوسائل بأنفسهم، فمثلاً محاولة رسم صورة أو رسم تخطيطي لما يتحدّث عنه المعلّم، ثُمّ يضعون الخطوط أو الأشكال مع تطور الفكرة.

العقبة الثّانية: التّقييد بالورق الأبيض أو الحبر الأزرق أو الأسود. لأنّ المتعلّم البصري ناجح مع الأنسجة والألوان المثيرة، فمن المحبط له أن يقتصر إبداعه على الورق الأبيض العقيم أو الألوان المضجرة للحبر. قد ينفد ضجر بعض المعلّمين مع قلة النّظام في شكل أوراق الواجبات، ومن ثُمَّ يصرون على تناسق أوراق جميع التّلاميذ.

الحل: مما يساعد كثيراً في حلّ هذه المشكلة هو أن تدع هذا الطّفل يستخدم حافظات ورق وأغلفة ومفكّرات غنية بالألوان، واعمل أن يختار أطفالك الحاجات المدرسيّة بأنفسهم قدر المستطاع.

3- المتعلّم الحركي:

العقبة الأولى: الجلوس في سكون بلا حركة. لا أحد يثير العصبية ويربك مثل الطّفل الكثير الحركة! فاستمرار التّنقل من الجلوس المستمر إلى النّهوض الفعلي عدّة مرات للتجوّل أو الذّهاب إلى الحمام يبدو جزءاً طبيعياً في يوم الشّخص الحركي. يستطيع هؤلاء الأطفال أن يصيبوا معلّميهم بالجنون باستمرار هذا الفيض من الطّاقة والحركة لديهم. حتّى عندما يجلس هذا الطّفل إلى مكتبه، فجزء من جسده لا يزال يتحرك، فهو إمّا ينقر بأصابعه، يميل برأسه، نظرات عينيه حادة يجول بها عبر الغرفة.

الحل: أنت بحاجة إلى أن تعلّم طفلك، في بعض الأحيان، على الرّسم أثناء الاستماع فهذا يساعده على التّركيز كثيراً، كما أنّ استخدام الأقلام الملونة يساعد كثيراً في تتبع الموضوع الّذي تتحدّث عنه المعلّمة، أيضاً الضغط على كرة إسفنجية قد يساعد طفلك على إطلاق بعض الطّاقة دون إثارة أي متاعب داخل الصّفّ.

العقبة الثّانية: فعل الشّيء ذاته لمدة تزيد على عشر دقائق في كُلّ مرة. حتّى إن استطاع الطّفل كثير الحركة أن يجلس ساكناً ويركّز على عملٍ ما، فليس من الواقعية أن نتوقع أن يكون انتباهه غير متقطع لمدة تزيد على بضع دقائق فقط، فكلما سمحت لهم بالحركة زاد تركيزهم، بكل أسف، يحكم المعلّم دائماً على جودة استماع التّلاميذ له من خلال هدوئهم وسكونهم.

الحلّ: وافقّ بعض المعلّمين على تخصيص أكثر من مقعدين للتلاميذ الكثيري الحركة، ماداموا هم جالسين في مقعدٍ ما، وقادرين على إثبات حسن استماعهم، فلا يُطلب منهم الجلوس في مقعدٍ واحدٍ لفتراتٍ زمنية طويلة. وإن لم يكن مسموحاً لطفلك أن يتحرك كثيراً في المدرسة، فعلى الأقل كُنْ مرناً معه أثناء وقت الاستذكار وعمل الواجب بالمنزل ودعه يتحرك بقدر المستطاع.

العقبة الثّالثة: النّظر إليك عند التّحدث معه. على الرّغم من أنّ ذاكرة الطّفل الحركي ممتازة وهو سريع في تذكّر أجزاء كبيرة من المعلومات، إلاّ أنّه لا يستطيع أن يفعل ذلك إذا جعلته يقف ساكناً والنّظر إليك، ولكن عندما تتركه يتمشى ويتجول ويتحدّث، فهو عادةً لا يُخطئ، ولكن إن صممت أن يقف ويركز نظره عليك، توقف عقله عن العمل، وتردد عند الإجابة.

الحل: إذا تعرض طفلك لمشاكل لأنّه لا ينظر إلى المعلّمة في عينيها، شجّع المعلّمة على أن تدع لطفلك مسؤولية المعلومات، بغض النّظر عما إذا كان الطّفل واقفاً في سكون أم لا، في حال رفضت المعلّمة التّعاون. فمن الممكن تدريب الطّفل على الحديث والتّركيز بعينيّ المعلّمة، وذلك بإعطائه شيئاً يُمسكه بيده يقوم بالضغط عليه، بدايةً فقط مع الوقت سيعتاد على النّظر إليك عند التّحدث معك.

4- التّلميذ التّحليلي: العقبة الأولى: تحديد الفكرة الرّئيسية، يقوم التّلميذ التّحليلي عند القراءة أو الاستماع بانتقاء التّفاصيل بصورة طبيعية، ولأنّه مشغول بالتّركيز على أشياء محددة يهرب منه المفهوم العام. نجد المعلّمة تذكر في تقريرها عن هذا الطّفل أنّه يقرأ المادّة بعناية ولكنّه لا يفهمها.

الحل: لأنّ التّلميذ التّحليلي لديه صعوبة في فصل (العام)، عن (المحدد). فكثيراً ما تواجهه متاعب عند الاستذكار استعداداً للاختبارات. فقبل جلوس ابنك لقراءة المادّة الّتي سيجتاز اختباراً فيها، اقترح سريعاً احتمالين أو ثلاثة للفكرة الرّئيسية، قد يكون هذا أشبه بتذكرة لوجود هدف عام لقراءة الأجزاء المنتقاة.

العقبة الثّانية: التلخيص أو إعادة صياغة موضوع ما بأسلوبه الخاصّ. بما أنّ الشّخص التّحليلي يميل بطبيعته إلى تذكّر التّفاصيل أكثر من محاولة الوصول إلى مفهوم عام، وذلك لأهمية التّفاصيل له، فإنّ مطالبته باختصار شيء يمثّل له صعوبة بالغة. والأسئلة مثل (ماذا يعني ذلك باعتقادك؟) قد تُقابل بنظرات مُربكة من قبل الشّخص التّحليلي الّذي يحاول معرفة الموضوع الّذي يتحدثون عنه.

الحل: إحدى أفضل الوسائل لمساعدة التّحليلين هو وضع فقرة من كلماتهم الخاصّة وتشجيعهم على قراءتها باستخدام قلم لوضع علامات به. ساعده على تعلّم الكلمات الهامة الّتي وضعوا عليها علامة بالقلم، ثُمَّ يكتبون تلخيصاً باستخدام كلماتهم الخاصّة، وكلما أكثروا من فعل ذلك، أصبح من الأسهل عليهم أن يقرؤوا وهم مدركون تلقائياً لفكرة أهمية التلخيص عندما ينتهون من القراءة.

العقبة الثّالثة: الإجابة عن الأسئلة المقالية، العديد من التّلاميذ التّحليلين يتعاملون مع الأسئلة المقالية بسرعة وكفاءة في أي اختبار، ولكن نجد المعلّمة تعلّق له دائماً بعبارة مثل (تحتاج إلى توسيع مجال أفكارك)، أو (حاول أن تقدم المزيد من الأمثلة).

الشّخص التّحليلي بارع في تحديد المعلومات وذكرها بدقة. ولكن إن كان كانت المعلّمة الّتي تطلب تلك المعلومات تميل إلى الشّمولية فإنّ تلك الإجابات قد تبدو قصيرة جداً، والعبارات المستخدمة تكون شديدة الإيجاز.

الحل: شجع تلميذك التّحليلي على توضيح ما يطلبه منه المعلّم في اختبار مقالي. ما هو عدد الأمثلة الّتي يجب ذكرها؟، ما نوع الإجابة الّتي تُعد قصيرة جداً؟ إذا لم تقدّم المعلّمة إجابة مُرضية لطفلك التّحليلي، حاول أن تُساعده على وضع صيغة لإجابة كُلّ سؤال، مثل: (1) اذكر هدفك، (2) قدّم سببين على الأقل، (3) اكْتب خاتمة.

5- التّلميذ الشّمولي:

العقبة الأولى: تحديد المادّة، معظم الشّموليين يجاهدون مع عملية التّحديد لأنّ عقولهم بطبيعتها تقفز إلى الأمام قبل تغطية جميع التّفاصيل، وبما أنّ كُلّ ما يشغلهم هو الحصول على الفكرة العامة، فإنّ التّفاصيل عادةً ما تظهر متأخرةً جداً، بالنّسبة لهم يرون أن كتابة موجز مشروع بحث أو حديث دون معرفتهم للنتيجة النّهائية أمر مستحيل. نجد هؤلاء الأطفال قد قضوا ليالي عدّة في كتابة صفحة كاملة لكي يتمكنّوا من تسليم الموجز المبدئي في الموعد المحدد.

الحل: أحد أكثر الأساليب فعالية في مساعدة الشّموليين على إخراج موجز رسمي هو ما يطلق عليه الكثيرون (الشّريط المنسوج)، أو (التّخطيط). اقترح على المعلّمة أن تبدأ بورقة فارغة، وتكتب في وسطها الفكرة الرّئيسيّة مثل: الغصون المتفرعة من جذع شجرة (يسميها ذوو الاختصاص الخريطة الذّهنية)، وترتب الأفكار الجزئية للدرس حسب اتجاه عقارب السّاعة.

العقبة الثّانية: تذكر التّفاصيل دونَ معرفة ما الّذي تستمع له في المقام الأوّل. من أهم العبارات المرعبة الّتي يُمكن للأطفال الشّموليين سماعها في المدرسة هي: (الآن سأقرأ هذه التّعليمات عليكم مرّة واحدة). فتبدأ عقولهم بالتّسابق في محاولة لمعرفة ما الّذي سيحدث، وهم يشعرون بالضّغط بسبب اضطرارهم لتذكّر شيء، ولكنّهم في الحقيقة لا يعرفون ما ينتظرهم. وفي الوقت الّذي يحاولون فيه معرفة الطّريقة الّتي سيحفظون فيها ما تقوله المعلّمة، يدركون فجأة أنّ التّعليمات قد تمّ إعطاؤها وهاهم أولاء يظهرون بمظهر التّلميذ الّذي لا يعرف شيئاً.

الحلّ: من الضّروريّ جداً أن تدرك المعلّمات أهمية إعادة التّعليمات أكثر من مرّة أثناء الحصّة الدّرسيّة، خاصّةً عندما يكون التّلميذ يصغي بجدية إلى الدّرس. وفي الوقت نفسه يستطيع الأهل المساعدة بتشجيع ابنهم الشّمولي على سؤال المعلّم عن موضوع هذه التّعليمات، ومن الضّروري التّذكير أن عدم قدرة ابنكم الشّمولي على تذكّر التّعليمات لا يدلّ على نقص في مستوى الذّكاء لديه.

العقبة الثّالثة: تبرير أو دعم الإجابة، نجد صعوبة لديهم أثناء حلّ مسألة رياضية، فهم يقفزون إلى النّتائج بسرعة دونَ توضيح مراحل أو خطوات العمل. يصعب على الشّموليين تحويل ما يعرفونه إلى شكل تحليلي موثق، وذلك لأنّ العقول الشّمولية تتعامل مع المعلومات كمجموعة بدلاً من كونها أجزاء فردية.

الحلّ: العمل على تقوية حاسة البديهة والتّخيل لدى الشّموليين تُعد أمراً هاماً، مع الإصرار على أهمية أن يكون عملهم موثقاً ويتبع الخطوات المطلوبة في الدّرس، أو في حلّ المسألة. على المعلّمة أن تفرح بحقيقة وصول تلميذها الشّمولي إلى الإجابة مباشرةً، ثُمّ عليها أن تساعده في العودة إلى الوراء لمعرفة خطوات أو مراحل العمل.

أقترح أن تستخدم المعلّمات والأهل ورقة لكل طفل، يكتبون فيها أكبر نجاح حققوه في المدرسة، ولماذا استطاعوا تحقيق هذا النّجاح؟ اكتبوا ما تجدونه أكبر تحدّ يمكن أن يواجهه الطفّل في المدرسة، وتحدّثوا معه عنه موضحين نقاط القوة ونقاط الضّعف لديه، وكيف يمكن استغلالها لمواجهة التّحديات والتّغلب على التّقصير في المدرسة؟

العدد 1102 - 03/4/2024