كي لا ننسى…..كامل عياد …

كي لا ننسى…..كامل عياد
#العدد823 #بقلم_يونس_الصالح #جريدة_النور

الأب الروحي للماركسيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي
في عام 1911 لجأت إلى سورية عائلة ليبية وطنية هرباً من اضطهاد الاحتلال الإيطالي، هي عائلة كامل عياد، الذي ولد في بداية القرن العشرين، ونما وترعرع في حضن دمشق، العاصمة الأعرق في التاريخ، وفيها نمت وتطورت نزعته الوطنية المعادية للمحتلين الفرنسيين، درس في مدارس سورية، اجتاز المرحلة الثانية، وذهب بعد ذلك إلى ألمانيا، إلى برلين عم 1922، لمتابعة دراسته في مجال الفلسفة، وبقي هناك ثماني سنوات، أي إلى عام 1930، حيث أنجز أطروحة الدكتوراه عن ابن خلدون، ودافع عنها بامتياز. كانت ألمانيا آنذاك أحد أكبر المراكز العمالية في العالم، وكانت الحركة الثورية هناك على أشدّها، فقد دفعت الأزمة الاقتصادية التي عاشتها تلك البلاد، بالتناقضات إلى الأوج، فمن جهة كانت الطبقة العاملة وقد أنهكها الاستثمار الوحشي من الرأسماليين، الذين وجدوا في الأزمة فرصة سانحة للتحكم بها، ومن جهة طبقة الرأسماليين المتعطشين للربح، ومن جهة ثالثة البورجوازية الصغيرة التي كانت أوضاعها منحدرة، وتعاني من ثقل الأزمة معاناة شديدة أيضاً، وكانت تشعر بالمهانة خصوصاً بسبب الشروط المجحفة التي فُرضت على ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وقد شكلت هذه الطبقة القاعدة الأساسية للحزب النازي الناشط آنذاك بقوة وبتشجيع من الرأسمال الكبير.
إذاً، كانت التناقضات محتدمة في هذه البلاد، ولم يستطع طالب الدراسات العليا كامل عياد إلا أن يتأثر بالأوضاع القائمة آنذاك، ولقد جذبته أفكار الماركسية تدريجياً إليها، وهو الإنسان الشفاف الذي يكره الظلم بطبيعته، والمثقف المرهف القادر على التغلغل إلى أعماق الحقائق الاجتماعية، إذاً، لقد انجذب كامل عياد إلى صفوف أناس العمل، وأصبح من الذين قدموا كل فكرهم وثقافتهم لخدمة الشعب الشغيل، وعندما عاد إلى الوطن وهو يحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة، عمل كل ما يستطيع لنشر الفكر التنويري من خلال تدريسه لمادة الفلسفة في الجامعة السورية الفتية آنذاك، بين طلابه، وبين المثقفين السوريين، ولا نبالغ إذا قلنا إن أجيالاً من الطلبة والشباب قد تثقفت على أحاديثه وشروحاته المبسطة للمبادئ الماركسية. ولقد أسهم كامل عياد في إصدار مجلة (الطليعة) الدمشقية بين أعوام 1935-1939، وكان له إسهام واسع في تحريرها ونشر الكثير من المقالات التثقيفية فيها، كما أنه ألف العديد من الكتب الفلسفية، ولعل أبرزها كتاب (لينين والفلسفة). لم ينضمّ هذا العالم إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري، ولكنه كان على صلة وثيقة به، ولقد قدم له خدمات جليلة في مجال إحياء التراث الفكري التقدمي وفي نشر الأفكار الماركسية، التي كان يقدمها إلى القراء بصورة مبسطة ومفهومة، لم يكن يستطيع أي شخص آخر أن يقوم بذلك أفضل منه، وإنه يعتبر بحق الأب الروحي للماركسيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
إن كل شيء في هذا العالم يبدأ صغيراً وجديداً، ثم يكبر ويتقادم ويموت، إلا أن الأفكار التي تحوي في داخلها شعلة التغيير الذي لا ينضب، لا تموت، لأنها تتجدد باستمرار وتحمل بتجددها هذا الخلود لها ولحمَلَتها، ومنهم كامل عياد.

العدد 1104 - 24/4/2024