والأقحوان يزهر من جديد

لم يخطر ببالي يوماً أنه سوف يزجّ بي في قلب تلك العاصفة وأنا ابنة السادسة عشر عاماً.. وضحكات تلاميذ المدارس مازالت مرسومة على وجهي.. إنه سوف تقذف بتلك الحمم البركانية الحارقية لذلك البركان المدمر الذي ضرب بلدي.. لم يخطر لي حقاً أنني قد دخلت وسط دوامة مرعبة تدمر ما تراه أمامها دون شفقة أو رحمة ولا تمييز بين طفل أو شاب..

لن أنسى ذلك اليوم الذي اقتحمت فيه غيمة سوداء سماء حياتي ووضعتني في حزن عميق، يوم قررت فيه عائلتي قسراً مغادرة مدينتي حلب التي أحبها.

وأنا في طريقي إلى المطار وكانت آخر طائرة مغادرة، لم أدرك أن فراقي سيكون طويلاً، كان الأمل في العودة هو ما يشغل تفكيري، لأن جميع أشيائي التي أحبها تركتها في تلك المدينة دون وداع.

وأنا في المطار أنظر ورائي كيف لي أن أترك كل هذا وأن أبدأ حياة جديدة في مكان لا أعلم عنه سوى الاسم فقط، لا أصدقاء ولا أناس أعرفهم حتى وكان كل هذا في مرحلة مصيرية من حياتي الدراسة (بكالوريا).

لم يمر يوم إلا وأتذكر فيها مدينتي وأحاول أن أستوعب ما جرى حقاً..

تسلل اليأس إلى روحي وفكرت: هل سنعود حقاً إلى بيتنا أم لا؟!

كل يوم أشاهد فيها مدينتي تتمزق وتقصف وتقصف من قبل من تسري في عروقهم دماء القتل والإجرام والحقد. إذاً، انتظاري سيطول، من هنا بدأت أفكّر كيف لي أن أساند بلدي وأن أعزز من صموده، استمددت القوة والإصرار من مدينتي التي علمتني القوة الحقيقية، وأن أصمد كما أحبائي وأشيائي، وكانت قناعتي بأن للباطل جولة وللحق جولات. عندئذٍ اخترت طريق العلم والتفوق وأن أنفض عني كل ما هو عائق أمام نجاحي، وأن أكون فاعلة علمياً وإنسانياً، ومثلي آلاف الشبان والشابات ممن اختاروا العمل أو العلم من أجل صمودنا.

وها أنذا على أبواب التخرج في كليتي الصيدلة.

إن الاقحوان علمني كيف الإصرار وإرادة البقاء في الأرض وحبه لأرضه، لأنه لا يرضى بتركها بالرغم من الرياح العاتية، فهو يزهر في كل ربيع.

العدد 1140 - 22/01/2025