حقيقة تأثر تركيا بالإسلامية التي يفرضها أردوغان
تصل نسبة المسلمين في تركيا إلى 90%، معظمهم من طائفة واحدة، ويوجد في تركيا ما يقارب 90 ألف جامع، رغم ذلك الإسلام ليس الدين الرسمي لهذه الدولة، اذ لا يوجد أي نص صريح في الدستور التركي يحدد الدين المعتمد في الحكم. ومنذ العشرينيات من القرن الماضي فرض العسكر ذو الاتجاه العلماني على الشعب التركي قوانين صارمة بحق النشاطات الدينية السياسية وحتى الاجتماعية والثقافية. لكن المجتمع التركي صاحب التاريخ الإسلامي المعروف ورغم الضغوط العلمانية الرسمية للسلطات التركية، بقي في شرائح واسعة منه محافظاً على البناء الفوقي الإسلامي، واستطاع، بحكم حضور الحد الأدنى من الديمقراطية، من تأمين صعود متكرر لأحزاب ذات توجه إسلامي، ومنها حزب العدالة والتنمية الذي استلم الحكم قبل حوالي عشرين عاماً، ثم نجح في السيطرة على الحياة السياسية بشكل شبه مطلق في تركيا. رافق هذا الحكم الطويل فرض تغييرات إسلامية بنيوية، راحت تطغى شيئاً فشيئاً على مختلف جوانب حياة المجتمع التركي. هكذا عندما بدأت تحضيرات الغزو التركي لعفرين السورية منتصف الشهر الماضي، بثّت جميع مساجد تركيا في سابقة هي الأولى من نوعها بتاريخ تركيا الحديثة، بثّت آيات من سورة الفتح، في إشارة واضحة إلى البعد الإسلامي للمعركة؟! مع وصف صريح للغزو العسكري التركي في سورية في الإعلام الرسمي بـ (الجهاد).
وفعلاً يقود الإعلام الرسمي الممثل بتلفزيون (تي آر تي)، هذه النزعة الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، وفي إحدى المقابلات مثلاً استضافت هذه المؤسسة الدكتور في الشريعة الإسلامية مصطفى عسكر، الذي قال خلال بث مباشر إنّ (أولئك الذين لا يؤدون الصلاة التي يمليها الإسلام هم حيوانات). وشمل دور الإعلام أيضاً تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، فقد سنّت الحكومة التركية منذ تشرين الثاني 2017 سلسلة إجراءات تعاقب المواطنين الذين (يهينون الإسلام).
ويشكل التعليم بالنسبة لحزب العدالة والتنمية مجالاً حيوياً لنشر (الإسلام)، ورغم معارضة الأحزاب العلمانية التركية، فرضت وزارة التعليم التركية إلزام المدارس المبنية حديثاً بناء غرف صلاة داخل حرمها، إضافة إلى تعيين ممثلين عن الهيئة الدينية التركية والمسماة (الديانيت) في كل صف من المدارس الحكومية في تركيا التي يبلغ عددها حوالي 60 ألف مدرسة، مما (يضع التعليم الحكومي تحت الرقابة الأكثر تشدداً للدين الموجه من قبل أردوغان)_ على ماذكره الباحث سونر جاغابتاي من معهد واشنطن للدراسات. كما طبقت وزارة التعليم التركية قواعد جديدة لمنع إقامة الطلاب من الذكور والإناث بمساكن الدولة، وقامت بإلغاء السكن المختلط في 75% من الدور الطلابية الحكومية.
طبعاً تلقت المعارضة التركية هذه التغيرات (الإسلامية) بغضب وسخط شديدين، واتهم رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيلغدار أوغلو الرئيس التركي بالسعي لنشر الإسلام السياسي في البلاد. وطالما تميز الشارع التركي ومنذ السبعينيات بالفوضى واضطرابات الشارع بين اليسار والقوى المناهضة له. ويعتقد بعض المختصين بالشأن التركي أن اليسار التركي قد يصل إلى مرحلة يعتبر فيها أن تجربة الديمقراطية عبر التصويت هي غير ناجعة، خاصة بعد استفتاء عام 2017 الذي منح أردوغان صلاحيات رئاسية واسعة وجعله أكثر استبداداً. ومن شأن ذلك أن يعود ويثير الجناح العلماني العسكري التركي، مما يتضمن ذلك اضطرابات جديدة في الحياة السياسية الداخلية التي من المتوقع أن يلعب عليها الغرب بقوة. من هذه الخلفية قالت النائبة ديليك يلماز عن حزب الشعب الجمهوري إن (حزب العدالة والتنمية يستغل الدين، ولن نقف أبداً صامتين أمام أفعال تهدف إلى تقويض مبدأ العلمانية). في المقابل فإن الزعيم التركي رجب طيب أردوغان، المستند إلى جنون العظمة ووهم استعادة الدولة العثمانية، يمضي قدماً في طريق سيغرق تركيا، لا محالة، في مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية لا تحصى.