من لم تُمِتهُ الحروب، أماتَهُ الوباء
نور سليمان:
عادَت من جديد جائحة (الكوليرا) بعد أن كانَت زائراً، لتحصدَ الأرواح المتهالكة، وتمضي كقاتلٍ بريءٍ، يعيشُ في مضاجعِ فقرنِا، في بلدٍ ليسَ لديه أدنى مقوّمات الحياة، فالعالمُ يُغلقُ أبوابَهُ أمامَنا، وها هنا نقفُ عاجزينَ أمامَ الوباء، ففي كتبِ التّاريخ نقرأُ أنّ أخطر هذه الأوبئة كان الطّاعون الذي أهلكَ العباد والبلاد، وكما يقال: (فوق الموتة عصّة قبر)، أي إضافة إلى الظّروف السّيئة التي تصاحب النّاس يوميّاً من فقر وغلاء وكوارث لم تُمحَ حتّى الآن، تأتي الأمراض، فلا يوجد صورة أقسى من فناء الإنسان ووحشةِ المدينةِ، فجميعنا هنا ننتظرُ موتنا بأيّ طريقةٍ، ودونَ حولٍ ولا قوّة، وفي حلّةٍ جديدة. هنا واليوم، السّوريّون مرّة أخرى ينتظرون الموت العشوائي في حلّته الجديدة، وخاصّة أنّ جائحة كورونا ما تزالُ متشبّثةً بهواءِ هذا المكان، فلقد اختبرنا كشعب كلّ أنواع الموت، في البحرِ، والغاباتِ، والملاجئ، وفي المنازلِ، ونحن نشاهدُ دمارَ مدن سورية بأعينِنا تسقطَ على رؤوسنا. في الحرب، التي لم تنتهِ، مات أكثر من نصف مليون سوري، عدا التّهجير وملايين اللاجئين.
)الكوليرا) هي عدوى خطيرة تحدث في الأمعاء، وتسبّبها البكتيريا سلبية الغرام ضَمّة Vibrio وتؤدي إلى الإسهال الشديد، ويلتقط المرضى العدوى عند تناول أغذية ملوثة، وغالباً ما تكون مأكولات بحرية أو مياه ملوثة. وهكذا يمكن للعدوى أن تنتشرَ بسرعة، لاسيما في المناطق التي لا تعالج فيها النفايات البشرية. وعلى الرغم من شيوع (الكوليرا) في جميع أنحاء العالم منذ زمن، إلاّ أنّها حالياً تقتصر على البلدان النامية، تستمرّ فاشيات (الكوليرا) الكبيرة في الحدوث في أي مكان ينتشر فيه الفقر، وعدم التخلّص الصحي من الفضلات البشرية.
لعدوى الكوليرا آثار مميتة تنتجُ عن سمٍّ تفرزه البكتيريا في الأمعاء الدقيقة، يتسبّب في إفراز الجسم لكميات هائلة من الماء، ممّا يؤدي إلى الإسهال وفقدان سريع للسوائل والأملاح (الكهارل). قد لا تسبّب بكتيريا الكوليرا المرض لدى جميع الأشخاص الذين يتعرضون لها، لكنّها لا تزال تمرّر البكتيريا في البراز، وهذا يمكّنُ من تلوّثِ الطّعام والماء. مصادر المياه الملوثة هي المصدر الرئيسي لعدوى الكوليرا. فقد توجد البكتيريا في: سطح التربة أو مياه الآبار. الآبار العامة الملوثة هي مصادر متكرّرة لتفشي المرض على نطاق واسع، إضافة إلى الأشخاص الذين يعيشون في ظروف مزدحمة دون مرَافق صرف صحي مناسبة معرّضون للخطر بشكل خاص. المأكولات البحرية. يمكن أن يعرّضك تناول الأسماك القشرية النّيئة أو غير المطبوخة جيداً، وخاصة الأسماك القشرية، التي تأتي من أماكن معينة، للإصابة ببكتيريا الكوليرا. الفواكه والخضروات النيئة. تعد الفواكه والخضروات النيئة غير المقشرة مصدراً متكرراً للعدوى في المناطق التي توجد بها الكوليرا.
في البلدان النامية، يمكن أن تلوّث الأسمدة أو مياه الري التي تحتوي على مياه الصّرف الصّحي الخام الخضار والثمار في الحقل، كما يمكن للحبوب مثل الأرز والأدخنة الملوثة بعد الطهي التي تُحفَظ في درجة حرارة الغرفة لعدة ساعات أن تنمو فيها بكتيريا الكوليرا.
من المرجّح أن تنمو الكوليرا في الحالات التي يصعب فيها الحفاظ على البيئة الصّحيّة، هذه الحالات شائعة في مخيّمات اللاجئين والدّول الفقيرة والمناطق التي فيها مجاعة أو حرب أو كوارث طبيعية.
المُضاعفات: يُمكن أن تُصبح الكوليرا من أسرع الأمراض القاتلة. فقد يُؤدِّي الفقد السريع لكميات كبيرة من السوائل والكهارل إلى الموت في غضون ساعات، في معظم الحالات الحادَّة. أمَّا في الحالات الأقل حِدَّةً، فقد يموت المرضى الذين لم يتلقَّوا العلاج بعد ساعات أو أيام من ظهور أول أعراض الكوليرا، وذلك بسبب الجفاف وهبوط الدورة الدموية، إلاّ أنّ مشكلات أخرى قد تحدث، مثل: انخفاض نسبة السكر في الدم (نقص سكر الدم). يُمكن أن تنخفض مستويات السكر (الغلوكوز) — مصدر الطاقة الأساسي بالجسم — بدرجة خطيرة بسبب عدم تناول المرضى الطّعام من شدّة الإعياء. الأطفال هم الأكثر عرضة لخطر هذه المشكلة، حيث إنها تتسبَّب في حدوث نوبات مرضية، وفقدان الوعي، حتى الوفاة.
لم يلبث السّوريّون أن خرجوا من تداعيات قنبلة (كورونا) حتّى انفجرت بوجههِم أخرى، فوزارة الصّحّة في سورية اليوم تدقّ ناقوس الخطر كاشفةً عن تسجيلِ عشرات الإصابات بالمرض، وبعض الوفيات من كبار السّنّ والأطفال، فقد أعلنت وزارة الصحة، يوم الاثنين، عن تسجيل 20 إصابة في مدينة حلب، و4 في اللاذقية، و2 في دمشق، بينما بلغ عدد الوفيات اثنتين، إثر “تأخر طلب المشورة الطبية، ووجود أمراض مزمنة مرافقة. فالحرب دمّرت البنى التّحتية للمياه والصّرف الصحي، ما جعلَ سورية تشهدُ أزمةَ مياه حادّة، وخاصّة في الحسكة التي تعاني من أزمة مياه خانقة نتيجة تكرار الاعتداءات التّركية والفصائل المسلحة التّابعة لها على محطات المياه، كما أنّ إتاحة الحصول على مياه الشرب الآمنة و الصرف الصحي من حقوق الإنسان المعترف بها دوليّاً، وثمّة حاجة حقيقية إلى احتواء تفشي وباء الكوليرا قبل أن يزداد انتشاراً ويصيبُ عدداً أكبر من الأشخاص في سورية والمنطقة، حيث يعتمد الكثير من السّكان، الضعفاء بالفعل على مصادر المياه غير المأمونة، التي قد تؤدي إلى انتشار الأمراض الخطيرة التي تنقلها المياه، خاصّة بين الأطفال. كما يجبر نقص المياه الأسر على اللّجوء إلى آليّات التّكيّف السّلبيّة، مثل تغيير ممارسات النّظافة أو زيادة ديون الأسرة لتحمل تكاليف المياه، خاصّة في المخيّمات والمناطق المحتلّة.
يزدادُ المرضُ خطورةً يوماً بعد يوم، إن لم يتمّ تفاديهِ في مراحلهِ الأولى، وإلى الآن الطّريقة التي يتعاطى معها المجتمع مع هذا النّوع من الأمراض مؤسفة جدّاً، ولا يوجد تدابير أو ثقافة صحيّة لتدارك هذا الوباء بسرعة حتّى من قبل المشافي والصّحّة، فالوعي اليوم مطلوب لمنعِ فتكِ المرضِ بأجسادِنا، ذلك أنّ الأرقام تتضاعف يوميّاً والعدد مرشّح للزّيادة والانفجار بشكل مفاجئ بظلّ نقص التجهيزات اللازمة لاستقبال المرضى، والتّوعية عن طريق الشّفاء والاستشفاء.