مارغوت هونيكر تقول: «أعادوا الماضي»
مارغوت هونيكر المولودة في عام ،1927 هي وزيرة التربية السابقة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وأرملة الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، رئيس جمهورية ألمانيا الديمقراطية إيريش هونيكر (1912-1994)، لم تتحدث علناً منذ فترة طويلة من منفاها الذي اختارته قرب سنتياغو دي تشيلي، ولكن وكالة الأنباء الأثينية والمقدونية نشرت في تشرين الأول موجزاً مختصراً جداً لمقابلة معها، وقامت الصحيفة اليومية الألمانية (يونغ فيلت) بنشر المقابلة كاملة.
تتضمن المقابلة الكثير من المعلومات عن تاريخ جمهورية ألمانيا الديمقراطية وموقعها على خط المواجهة بين نظامين اجتماعيين من عام 1945 إلى عام ،1989 وسنحاول عرض أهم ما جاء في حديث مارغوت هونيكر.
حول أحداث خريف عام 1989 وخصوصاً الأحداث في جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي تصفها مارغوت هونيكر بالثورة المضادة، تقول إنه يمكن تأليف كتب عنها، وكُتب فعلاً الكثير عنها، ولا يمكن وصفها في جواب موجز، ربما فقط ما يلي:
كانت هناك علاقة موضوعية بين الفاعلين السياسيين الأجانب والمحليين، وصل سباق التسلح الذي فرضته الولايات المتحدة في عهد ريغان على الاتحاد السوفييتي إلى غايته المطلوبة: سلّح الاتحاد السوفييتي نفسه حتى الموت، وأدى العبء الاقتصادي الناتج عن ذلك على الاتحاد السوفييتي إلى تشوش اجتماعي جدي في البلد، ما يعني أن القوى القيادية للمعسكر الاشتراكي تمكنت بصعوبة من القيام بمسؤولياتها السياسية الداخلية والخارجية. حاول الاتحاد السوفييتي استعادة السيطرة على الوضع من خلال إصلاحات كانت في البداية جيدة القصد، ولكن بعد وقت قصير انتزع من يسمون بـ(الإصلاحيين) السيطرة على الأسس السياسية والاقتصادية، واتخذوا سبيلاً نحو كارثة اقتصادية وزعزعة استقرار المجتمع. وكانت النتيجة النهائية التنازل عن كل المنجزات السوفييتية. لم تكن هذه التغييرات الوحيدة التي صفق لها الغرب.. ففي بعض البلدان الاشتراكية المجاورة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية كان (الإصلاحيون) نشطين أيضاً ومدعومين من الغرب.
كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية منخرطة في هذا الصراع العالمي، فقد كانت في نهاية المطاف جزءاً من الأسرة الاشتراكية، وفي ثمانينيات القرن العشرين واجهت جمهورية ألمانيا الديمقراطية الحاجة إلى تطوير أو إصلاح سياستها الاقتصادية، فقد كان هنا نقص في سد الحاجات في الحياة الاجتماعية، ما أدى إلى استياء. وتعترف مارغوت هونيكر: (لم نقم دائماً بواجبنا كما ينبغي، جزئياً بسبب عجزنا، وجزئياً لأننا كنا محاصرين).
وتضيف مارغوت هونيكر: (من الواضح أننا كنا عاجزين عن إقناع الناس وجعلهم يدركون التقدم الاجتماعي الفعلي الذي حققناه بالمقارنة مع المجتمع الرأسمالي المستند إلى الاستغلال والظلم والحرب. اعتقد الكثيرون في جمهورية ألمانيا الديمقراطية أنهم يستطيعون الجمع بين العالم المتألق للسلع والأمن الاجتماعي في الاشتراكية، ولكن كما قال إيريش هونيكر في خطب شتى، يصعب توحيد الرأسمالية والاشتراكية، كما يصعب توحيد النار والماء).
وعلى المستوى الشخصي تلقى الزوجان هونيكر هذه الأحداث بالقلق على مستقبل كل الذين بنوا بعملهم هذه الجمهورية الديمقراطية المسالمة. بعد استقالته في تشرين الأول أعفي إيريش هونيكر من جميع الوظائف السياسية، واستقالت مارغوت من منصب وزيرة التربية الوطنية حتى قبل استقالة مجلس وزراء جمهورية ألمانيا الديمقراطية في أوائل تشرين الثاني.
وعن (ثورة) الألمان الشرقيين كما يسميها الغرب، قالت مارغوت هونيكر إنه لم تكن هذه (ثورة)، كانت هناك مظاهرات، ولكن العمال كانوا يعملون في معاملهم، وذهب الأطفال إلى المدرسة واستمرت الحياة الاجتماعية، معظم الناس الذين خرجوا إلى الشوارع في خريف عام 1989 كانوا يعبرون عن استيائهم.. أرادوا إجراء تغييرات وتحسينات، أرادوا جمهورية ألمانية ديمقراطية أفضل، ولم يكونوا يتظاهرون من أجل إلغائها، ولا حتى المعارضة أرادت ذلك. لا يمكن إنكار أنه كانت هناك قوى معادية ضمن المعارضة تجمعت بشكل رئيسي تحت سقف الكنيسة.
من الواضح أن جمهورية ألمانيا الاتحادية تمكنت من التلاعب بأولئك المستائين وأخيراً السيطرة على الحركة من أجل جمهورية ألمانية ديمقراطية أفضل. وهكذا تحول هتاف (نحن الشعب) إلى (نحن شعب واحد)، وبهذه الطريقة وجدوا عتلة يبحثون عنها منذ بداية وجود جمهورية ألمانيا الديمقراطية، لتجسيد نيتهم المعلنة (تحرير) المواطنين في الشرق. وهنا يجدر التذكير بأن القوى الغربية – العاملة مع الرأسمال الألماني وسياسييه المطواعين، قسمت أولاً ألمانيا وبعد ذلك أقامت جمهورية ألمانيا الاتحادية، وهذا يتناقض مع روح شروط القانون الدولي المعبر عنها في اتفاقية بوتسدام للقوى الأربع الظافرة في عام 1945 والتي نصت على قيام ألمانيا ديمقراطية موحدة.
جميع القوى التقدمية في ألمانيا أرادت أن تكون ألمانيا كلها دولة ديمقراطية معادية للفاشية. تقول مارغوت هونيكر: (لم نتخلّ أبداً عن هذا الهدف، ولكنا لم نكن قادرين على الوصول إليه. وكانت النتيجة إقامة جمهورية ألمانيا الديمقراطية). حاربتها الإمبريالية الألمانية المنبعثة بكل الوسائل، ورأت في عام 1989 فرصتها لتصفية جمهورية ألمانيا الديمقراطية، ألمانيا الأخرى.. أخفقت في عمل ذلك طوال أربعين عاماً، وفقط عندما أسقط الاتحاد السوفييتي الحليف، جمهورية ألمانيا الديمقراطية، نجحت الجمهورية الاتحادية.
كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاشتراكية ضمانة السلم في أوربا.. لم ترسل أبناءها وبناتها أبداً إلى حرب، ولكن جمهورية ألمانيا الاتحادية شاركت في حروب دموية أثارتها الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي عبر العالم. تم محو جذور الحرب والفاشية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وبقي غرب البلد رأسمالياً. تقول مارغوت هونيكر: (في عام 1990 جرى امتصاص جمهورية ألمانيا الديمقراطية في هذا المجتمع.. لقد أعادوا الماضي، ولا أحد يستطيع تسمية ذلك ثورة).
وعن دور الأمين العام السابق للحزب الشيوعي السوفييتي ميخائيل غورباتشوف في هذا التطور قالت مارغوت هونيكر: قال غورباتشوف قبل سنوات قليلة في محاضرة في أنقرة إنه بدأ في عام 1985 التغلب على الشيوعية. من الواضح أنه بسياسته قامر بما حققته شعوب الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية بتضحية كبيرة. لم يتغير العالم نحو الأفضل باختفاء الاتحاد السوفييتي.. صارت الحروب والعنف والإرهاب على المستوى اليومي.. لن يكون حكم التاريخ على عمل غورباتشوف إيجابياً.