هموم الفقراء وآلامهم تزداد يومياً.. وثروات الأغنياء في تضخم دائم
محمد علي شعبان:
مع إشراقة كل صباح جديد، تتجدد هموم جديدة، وآهات جديدة أيضاً، ويصبح
التحسر على الماضي لغة يرددها غالبية الفقراء الذين تزداد خيباتهم وآلامهم يوماً
بعد يوم.
لكن يبدو أن المواجهة بينهم وبين وحوش المال آتية لا محالة، ستتجلى
بأثواب مختلفة، وسيربح الأغنياء غالباً، لأنهم احتكروا أدوات الإنتاج ووسائله،
وفرضوا على الفقراء تبني أدوات وأفكار تكرس التخلف وتمنح الصبر، وتزيد المحبط
إحباطاً، واليائس يأساً.
يتصارعون عليها ومن أجلها، كي يصبحوا أكثر تخلفاً، ومعاداة للعلم
والتنوير، الذي يشكل مفتاح تحررهم من طغيان وحوش المال وتغولهم.
ما زل الفقراء يرفضون الاعتراف بجهلهم وتخلفهم، رغم الحروب والصراعات
المنتشرة، في العديد من البلدان التي دفع الفقراء ضريبتها، وتاجرَ الأغنياء بلقمة
عيش الفقراء، حتى تضخمت ثرواتهم أضعافاً.
أصدقائي وصديقاتي الفقراء..
لا تحزنوا ولا تخجلوا إذا سمعتم الحقيقة، ولا تحاولوا إخفاءها، ولا
تبحثوا عن مبررات لا جدوى منها، لأخطاء حدثت!
عليكم أن تفرحوا بعد سماعها، وأن تحزنوا لأنكم تأخرتم بسماعها. لعلنا
وإياكم نستدرك شيئاً من أخطائنا، قبل فوات الأوان.
إن جميع سمات التخلف ومعاييره موجودة في ثقافتنا وأفكارنا، وفي سلوكنا
ومعتقداتنا، وبين سطور كتبنا المقدسة، على اختلاف أسمائها، وقد اعتمدت كمنهج يطبق
علينا كفقراء، من قبل خصومنا الطبقيين المتسلطين المتدينين منهم، والسلطويين.
المرتبطين موضوعياً بوحوش الرأسمالية الكونية، التي عملت وتعمل من أجل المزيد من
إفقار الشعوب، وتجويعها، بغية الحفاظ على جهلها وتخلفها.
بيد أن أشكالنا ومحتوانا وسلوكنا ونمط عيشنا الاستهلاكي لا يوحي بأننا
سنعيد قراءة اللوحة كما ينبغي. ما دامت الأدوات المعرفية التي بحوزتنا هي من صناعة
خصومنا.
صنعوها خصيصاّ لتعميق الجهل والتخلف فينا، كي تجعلنا مرتزقة وتابعين
لهم، من أجل لقمة عيشنا، والتحكم في مستقبلنا.
لقد علمونا فن التمثيل، والمجاملة وتزييف الحقيقة وتغييبها، وإخفاء
ملابسنا المهترئة والبالية تحت الملابس الجديدة من أجل تعميق ثقافة اعتماد الوهم،
وتغييب ثقافة تبني الواقعية.
وما داموا قد اكتشفوا أننا نجيد التعايش مع نمط الإنتاج الاستهلاكي
ومشبعين بثقافته المضللة، التي ضللت الغالبية الساحقة من مجتمعنا.
لذلك سنبقى تائهين وحائرين، ننتظر أن يقدّم لنا خصومنا الطبقيين الإرشاد
والنصيحة، لنحصل على بعض حقوقنا المغتصبة بطرق يوافقون عليها، تعيد إليهم مزيداً
من الطاعة والولاء. ما لم نُعِد النظر بماضينا وحاضرنا، ونعلن أين أخطأنا، وأين
أصبنا، فلن نتمكن من الانتقال من حقبة حملت معها العديد من المآسي، إلى حقبة أفضل
نخفف فيها من ظلمنا وقهرنا واضطهادنا.
الواضح أن مقدمات المواجهة باتت قريبة لأن معدلات القهر تزداد يوماً
بعد يوم، والتوحش يزداد كذلك. فلا بد من المواجهة عاجلاً أو آجلاً. وقد تحمل معها
العديد من المفاجآت ما دامت ستأتي ردة فعل على فعل، ساهم بصنع العديد من الأحقاد
والاحتقانات والأزمات، بين رأس المال المتوحش، والجياع الذين يعانون الفقر
والاضطهاد والحرمان.
بيد أن جميع المهتمين يعرفون أن القوى الدولية والإقليمية التي تقف
خلف وحوش المال وتجار الأزمات. تنتظر اللحظة المناسبة، للانقضاض على الأوطان،
وتحرك أدواتها في الداخل من أجل التضييق والحصار على الفقراء، الذين باتت حياتهم
عقوبة ويشتهون الموت، لعلّهم يتخلصون من ضغوط الحياة وصعوباتها.
فهل للفقراء من نصير، ما دام رأس المال يعين النائب والوزير والملك
والأمير؟ وما دام يمتلك جميع الأدوات التي يحتاجها العامل والفلاح الفقير، وليس
بمقدور الفقراء أن يفعلوا إلا البكاء والعويل؟!
يسألون بعضهم بعضاً:
من يتحمل مسؤولية غياب النصير الذي كان سنداً للفقراء؟!
وهل غاب طوعاً؟! أو أن هناك من سلمه لرجال الحاكم والأمير!
وأدخلوه السجن كما حصل مع غيفارا وغيره من المناضلين؟!
وما هي العوامل التي ساعدت بانزياحات النخب التي وقفت إلى جانب
الفقراء وكانت لهم السند والنصير؟
والأهم: هل عرف الفقراء مصلحتهم بعد هذا الزمن الطويل الذي عايشه
الكبير والصغير، بالحزن والقهر وقلة التدبير.
تتحكم فيهم سلطة العسس المتغولة بأوامر جنود الحاكم والأمير.
الخلاصة، نحن كفقراء نحتاج إلى تجديد وعينا والتخلص من الرواسب الضارة
في ثقافتنا. والاعتراف الصريح بحجمنا وقصورنا وتخلفنا، لنشكل نقطة انطلاق جديدة
بوعي جديد يتجاوز عقد النقص والخوف، التي كانت خلف سلوكنا المتهور عندما حاربنا
وخذلنا من دافع عن مصالحنا، وأصبحنا أدوات لمن كرس عبوديتنا.
إن الحنين لعودة الاحتلال العثماني لبلداننا، وتناسي الخازوق ودلالاته،
وحذف معاناة خمسة قرون من الذاكرة، تشكّل تعبيراً حقيقياً عن جهلنا وتخلفنا.
مؤسف أن نسمع من يطالب بدولة الخلافة بعد كل ما فعلته بشعوب البلدان
التي حكمتها.
ومؤسف أيضاً أن نسمع من يطالب بعودة الانتداب رغم المعاناة والويلات
التي تعرض لها آباؤنا وأجدادنا في ذلك العهد، والمؤسف أكثر أن نتجاهل لماذا يطالب
أولئك بذلك.
لماذا يحن البعض للخلافة؟! رغم أن آبائهم أجدادهم حاربوا المحتلين العثمانيين
والفرنسيين!
ولماذا من طالب بالحرية والاستقلال أصبح يطالب بعودة الانتداب؟!
وفي هذه الأجواء ليس غريباً على شعوب أمة بقوا
يهتفون حوالي القرن من الزمن
بالوحدة والحرية والاشتراكية، وها هم الآن يوافقون على تقسيم الأوطان وإقامة
دويلات قومية وطائفية تماشياً مع رغبة الصهيونية في تقسيم الأوطان على أسس قومية
وطائفية تؤسس لصراعات قبلية وعشائرية تعيد البلدان إلى عهود التخلف الغابرة، حين
كانوا شعوباً وقبائل تسود بينهم الحروب والصراعات والغزو وسبي النساء.
مؤسف أن نتجاهل لماذا حصل كل هذا الخذلان من أطراف عديدة في معظم
الأوطان.
مؤسف أن تجد من يفرحون لتقسيم دولهم ويطالبون بالمزيد، من أجل إقامة
إمارات صغيرة، يحققون من خلالها مصالح عائلية أو عشائرية، غير آبهين بضرورة وجود
الدولة،
ما داموا يطمحون لمناصب خاصة، أسوة ببعض الإمارات الخليجية، التي
يعتبرونها نموذجاً ويطمحون إلى تشكيل إمارات على شاكلتها، حيث يوجدون.
فهل حان الوقت للأحرار في هذه الأمة كي يرفعوا الصوت عالياً، ويقدموا
إجابات عن الأسئلة التي وردت سابقاً ويعملوا على توعية الفقراء ليقفوا خلف من
يدافع عنهم؟! كما يجب أن يعرف الجميع. أن الأسوأ قادم ما لم يتنبّه المثقفون،
والسياسيون وتتحرك قاطرة الإنقاذ لأمة تستحق الحياة بكرامة وسلام؟
وهل حان الوقت ليكتشف حكام الأمة أن القوة تتشكل من الوعي والعلم؟ وليس من ملاعب الكرة والنوادي الرياضية، وأن قوة التجهيل والإرهاب تتشكل من دور العبادة وليس من المراكز الثقافية؟
لن تنهض أمة أو شعب من الشعوب ما لم يمتلك العلم والمعرفة التي تهزم التخلف والتطرف والإرهاب.
ولن يتحرر شعب ما لم يُحترم فيه العقلاء والمفكرون والباحثون، وما لم تسُد فيه العدالة والمساواة، وتسيطر فيه لغة العقل التي تهزم لغة التطرف والتخلف.
هل ترتكب الشعوب جريمة إذا حلمت بحاكم يقف معها، ويخفف من معاناتها، ويستقوي بها لتحصين أوطانهم؟
ويعملوا جميعاً على إفشال أحلام الطامعين ويبنوا وطناً بالمحبة، وبالعلم والجد ولقمة الحلال وعرق الجبين. تتكسر فيه أجنحة الفاسدين والعملاء الطامعين، ويشعر الفقراء بأنهم شركاء فعليين، وليسوا أجراء عند الرأسماليين؟!