هي أعيادنا أيها العريفي!

 منذ وعينا على الدنيا ونحن نحتفل برأس السنة الميلادية، نهنِّئ ونهنَّأ، كما نحتفل بأعياد أخرى بطرق مختلفة.

في سورية المتعددة المتنوعة لم يقل لنا أحد يوماً إن هذا العيد الذي يخص الدين الفلاني أو الطائفة الفلانية لا يجوز أن نهنئ به أو نهدي بمناسبته أو يهدى إلينا، ولن ندّعي هنا أن الأمور كانت تمام التمام، كما يتبجح البعض ويردون كل ما حدث  إلى مؤامرة وفعل خارجي، فمن كان يوحدهم وجع البلاد والفقر كانت تفرقهم طائفات البلاد ما استطاعت  إلى ذلك سبيلاً، لكن الفكر المتنور العابر للطوائف والأديان من اليسار السوري العريق وأطياف الليبراليين والعلمانيين كان موجوداً ويحاول تثبيت مواقعه رغم كل التضييق الذي مورس ويمارس عليه، مقابل الدلال الوثير للفكر الديني والطائفي عبر كل المنافذ التي أتيحت له من إعلام وثقافة ومدارس دينية ودور عبادة تتكاثر بمعدلات لا تقارن بالنمو البطيء للمدارس والجامعات والمراكز الثقافية والجمعيات الأهلية، وكان السوريون خلال تاريخهم يقدمون بجرأة ووعي على كسر الحواجز الدينية والطائفية، سواء في العلاقات الاجتماعية أو الاقتصادية أو الزيجات المختلطة، وكانت أحزاب اليسار هي الرائدة فعلاً في تجاوز هذه المعوقات التي تنتمي  إلى زمن غابر.

وفيما نحن نشهد نهايات هذا العام ونحتفل كلنا بأعياد الميلاد ورأس السنة، ونتبادل التهاني بيننا كما نحن دائماً، أطل الشيخ الداعية السعودي محمد العريفي، وهو من الدعاة المعروفين، الذين يملكون قاعدة عريضة من المريدين والمتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وغيرها، بفتوى توجهت أساساً  إلى المسلمين المهاجرين  إلى أوربا (بلاد الكفر كما يسميها العريفي وأشباهه) وبمناسبة الحديث عن المهاجرين يصور الكثيرون أنهم هاجروا ترفاً و(برطعة)، ولم يهربوا من جور سلاطينهم الذين يحرصون على أداء الفرائض والسنن والظهور في المناسبات الدينية كأن كل واحد منهم (أمير المؤمنين).

يقول العريفي:

(هذا منشور يخصّ عيد كريسمس ورأس السنة،

يفيد أبنائي وبناتي بالخارج،

وكذلك إخواني المسلمين بأوربا وغيرها:

حكم التهنئة،

التعامل،

الهدايا..

مع العلم: أن تعاملنا مع النصارى، والبوذيين، وغيرهم،

يجب أن يكون بخلقٍ حسن، وتعامل لطيف، ورفق، ولين، وابتسامة، وهدايا، رغبةً بتأليف قلوبهم.

حسنُ الخلق مع الكافر، واللطف، الرفق، التبسم، الصدقة عليه، التهادي معه، مساعدته لحل مشاكله، مؤاكلته، مشاربته.. جائز تأليفاً وتقريباً لهدايته.

يجوز قبول هدية الكافر في عيده غير الديني، وتقبل هديته سائر الأوقات تأليفاً لقلبه ويجوز الإهداء له (في غير عيده).

يجوز تهنئة الكافر بمناسباته السعيدة، ترقية، تخرج…لكن في مناسباته الدينية تحرم التهنئة.

مع العلم أن: عيد رأس السنة أخفّ من عيد ميلاد المسيح

يوم رأس السنة، إذا أهداك الكافر جاز قبولها لأنه عندهم عيدٌ اجتماعي لا ديني.

أما عيد كريسمس (ميلاد المسيح) فعيد ديني لا تقبل هديةً ولا تهدي.

انتهى كلام العريفي.

الخطر هنا هو أن الكثير من ملايين المهاجرين المسلمين ومنهم السوريون الهاربون من الحرب وويلاتها  إلى أوربا يقرؤون للعريفي، ويأتمر البعض غير القليل منهم بفتاويه وكأنها كلام منزل، خاصة بعد الاستقطاب الحاد الذي تسببت به الحرب بين السوريين للأسف، فكلنا قرأنا وسمعنا عن أناس ينظرون  إلى البلاد التي آوتهم وأمّنت لهم مساكن ومتطلبات معيشية مقبولة، نظرة عداء من منطلق ديني، وليس وطنياً طبعاً، في ارتكاس مخيف  إلى الوراء المظلم، وكأن داعش تغلغلت في خلايا الكثيرين من أبناء البلد، وهو أخطر بكثير من تغلغلها العسكري في الكثير من مناطق سورية.

نحن السوريين الباقين هنا- نقولها بعالي الصوت للعريفي وأشباهه، والمتمسحين بأعتاب الظلاميين ممن كانوا راكبين موجة اليسار والعلمانية يوماً: هذه أعيادنا يا عريفي، وما ردّده السوريون، معارضة وموالاة، مراراً هو صوتنا: واحد واحد واحد…الشعب السوري واحد!.

العدد 1140 - 22/01/2025