بين الوزن والنوعية رحلة البحث عن الرغيف الجيد!
لن يتمكن المواطن في طرطوس عندما يشتري ربطة خبز من أي فرن في المحافظة أو في مناطقها وقراها، أن يحصل على الوزن النظامي والرغيف الجيد. فالأفران الحكومية تقدّم لك الوزن النظامي الذي حدّدته وزارة الاقتصاد، وهو بحدود 1450غراماً، ولكن لن تستطيع استهلاك أكثر من نصفها.. إذ تجد نفسك في اليوم الثاني مضطراً لشراء ربطة خبز ثانية، لأن ما بقي عندك من اليوم السابق غير قابل للاستهلاك! أمّا عند شرائك ربطة خبز من أحد الأفران الخاصة، فأول ما يخطر لك أنك ستلتهمها بمفردك عند أول وجبة طعام، فالوزن لا يتجاوز 850 أو 1000 غرام في أحسن حال.. ومن يقل عكس ذلك فعليه التوجه إلى فرن الدريكيش الشرقي أو فرن كفريخة أو فرن الجبّاب وغير ذلك من الأفران الخاصة! بينما عدد الأرغفة في كلا الحالين تسعة. وأنت مجبرٌ على دفع ضريبة اختيارك، إما في الوزن أو في جودة الرغيف!
وبحسب وزارة التجارة والاقتصاد فإنّ سعر ربطة الخبز وزن 1450غ هو 15 ل.س من كوة بيع الفرن، وسعرها من المعتمد 17 ل.س. بينما نجد في الأفران الخاصة أنها تباع بسعر 15 ل.س للربطة وزن 840-1000غ (9 أرغفة). وتلك التي وزنها 1200-1210غ تباع بسعر 20 ل.س (12 رغيفاً)، والتي وزنها 1465-1500غ فتباع بسعر 25 ل.س (15 رغيفاً).. أي إن الربطة التي يجب أن تباع ب15 ل.س تباع ب25 ل.س، و هذا يعني أن كل ثلاثة أرغفة تباع ب5 ل.س. ولتجاوز قضية الوزن عمد المنتجون في الأفران الخاصة إلى إنقاص قطر الرغيف، إذ يتراوح بين 25-30 سم. وبالتالي التلاعب بالوزن في حين يتم وضع الميزان أمام كوة البيع فقط من أجل دوريات حماية المستهلك (العديمة الفعالية) لا أكثر. أما بالنسبة للأفران الاحتياطية فتباع ربطة الخبز ب 15 ل.س بوزن يتراوح بين 1200و1300غ، وهي أفضل حالاً من الخاص، ولكن أيضاً يوجد فارق في الوزن.
الأفران الحكومية تقدم ربطة الخبز بوزن 1450-1470 غ وبسعر 14 ل.س، وذلك عند البيع للمعتمدين والمستهلكين من كوى ومنافذ البيع التابعة للشركة العامة للمخابز، وب16 ل.س للربطة الواحدة معبأة، بكيس نايلون، وذلك عند البيع للمستهلكين من الأكشاك. وهذه الأفران الحكومية هي الأفضل من ناحية التقيد بوزن الربطة والسعر، ولكن نوعية الخبز تكون أقل من سابقاتها.
السيد علي مصطفى، مدير فرع المخابز، تحدث عن واقع الرغيف قائلاً: أحدث فرع المخابز بطرطوس في العام ،1985 ويشمل المخابز الخاصة والعامة والاحتياطية.. ويبلغ عدد الأفران العامة ثمانية أفران، موزعة في مركز المحافظة والمناطق التابعة لها. ولدى سؤاله عن أسباب تدني جودة رغيف الخبز في الأفران العامة، في الوقت الذي تحافظ فيه ربطة الخبز على وزنها قال: إنّ زيادة عدد خطوط الإنتاج بشكل يفوق حاجة المحافظة من الخبز، حيث يبلغ عدد خطوط الإنتاج 19 خطاً والطاقة الإنتاجية لكل خط يومياً يبلغ 9 أطنان للخط الواحد، ونسبة تنفيذنا هي بحدود ثمانين في المئة. وبما أن الخبز مادة ليست قابلة للتخزين وتخضع لعدة عوامل، منها نوعية الدقيق والخميرة وحتى الطقس وظروف نقله ووضع الخبز لدى المعتمد وكمية الخبز التي يقوم الفرن بإنتاجها كل يوم وعدم استقرار نوعية القمح ومصدره، وبالتالي نوعية الطحين، كل هذا يساهم في تدنّي نوعية الرغيف (مع تحفظي على كلمة تدنّي) قياساً بالأفران الخاصة التي تنتج يومياً بحدود طنين، في الوقت الذي يحصل المواطن على الخبز من الكوة مباشرة، ويقوم بتهويتها بالنسبة للأفران الخاصة.. أما في الأفران العامة فهو بحاجة لأن يذهب إلى المعتمد للحصول على ربطة الخبز التي قد تكون مجهزة منذ الليل ومضى على وجودها في كيس النايلون نحو 12 ساعة.
مدير فرع المخابز كانت له عدّة ملاحظات على لجان ترخيص الأفران الخاصة التي يراها منافسة للأفران العامة، وتزيد من الطين بلّة، أضف إلى ذلك – يقول مدير الفرع- زيادة عدد خطوط الإنتاج مقارنة بمثيلاتها في المحافظات التي تماثل محافظة طرطوس من حيث عدد السكان لا مبرر له ولم تتم معالجته، بالرغم من الكتب العديدة التي رفعت في ذلك. وطالب مدير فرع المخابز بتخصيص الوجبة الغذائية لجميع العاملين وعدم الترخيص للمزيد من الأفران الخاصة، وإقرار التكلفة الفعلية للرغيف، مع عدم زيادة سعر الربطة وتشميل العاملين بالطبابة.
أمّا مدير تموين طرطوس حسين طيارة، فقد تحدث عن تكلفة الرغيف الفعلية، وعن مواصلة دوريات التموين في المحافظة القيام بجولاتها لقمع المخالفات. ونبّه إلى أن المواطن السلبي الذي يخجل من الدفاع عن حقه هو أحد أهم أسباب استمرار المخالفات التي تحصل.
رئيس دائرة المواد في مديرية التموين أكد ضرورة القيام بدراسة موضوعية تحقق العدالة للجميع، وتحد من الغش في وزن الربطة من خلال تخفيض وزن الربطة من 1450 غراماً إلى 1200 غرام التي يحصل عليها المواطن بشكل فعلي من الأفران.. وأضاف بأنه واثق تماماً من أنه لا يوجد أي فرن خاص في المحافظة يقدم للمواطن ربطة الخبز يزيد وزنها على 1000-1050غراماً!
السيد حيد حيدر، مدير مخبز الدريكيش الآلي، تحدث عن الأعداد الكبيرة التي وفدت إلى المنطقة من محافظات أخرى والتي تقف وراء الازدحام أحياناً على كوّة المخبز، وقال: نحن نستجر مادة الطحين من مطحنة طرطوس استجراراً نظامياً بواسطة آليات من مكتب الدور، ونستجر مادة الخميرة أسبوعياً، مع التنبيه إلى أننا نعاني الحصول على الكمية الكافية، لكن العمل على مدار 24 ساعة.. ولله الحمد لم يدع المواطن في هذه المنطقة يشعر بنقص في الكمية. الوقود مؤمّن ولله الحمد ونتكيف مع الكمية التي تصلنا، وعمالنا متفانون في تقديم كل جهد يلزم.
أتمنى من الجهات الرقابية تشديد المراقبة على عمل الأفران الخاصة، منعاً للتلاعب بمادتَيْ الدقيق والمازوت، وأتمنى من المواطن أن يقتنع بأننا في خدمته دوماً ولا نقبل بأقل من الرغيف الجيد.
مدير مخبز الشيخ بدر المدعو عيسى الخطيب، تمنّع عن الإدلاء بأي تصريح إلاّ بعد الحصول على موافقة من مدير فرع المخابز بطرطوس، وأنا شخصياً أسجّل عدة نقاط استفهام على مثل هذه العقلية التي ما زالت تتربع على كرسي المسؤولية في أكثر من مفصل من مفاصل الدولة!
بعض الأهالي في قرى الدريكيش، ومنها مزرعة عين الباردة، تحدثوا عن عدم وصول الخبز إليهم خلال العاصفة الثلجية التي اجتاحت المنطقة، برغم قيام بعض الجهات الرسمية بإيصال كميات قليلة، ولكن وزّعت بشكل مزاجي وكيفي ولم تُراعَ احتياجات الجميع.
إذا كان البعض يتاجر بالرغيف – كما حصل في محافظات عديدة خلال الأزمة – سعياً وراء مكسب مادي، فكل ما يتمناه المواطن أن تبقى عين الرقابة ساهرة، وأن يحاسب كل من يثبت أنه يتلاعب بقوت المواطن دون أية شفقة أو رحمة.