حين يتعالى الشاعر على أهوائه

ربما كانت شخصية سعيد عقل أكثر شخصيات الشعراء العرب المعاصرين إشكالية.

إذ قلّ أن استثار شاعر عربي معاصر في نفوس معاصريه هذا القدر من المشاعر وردود الفعل المتناقضة مثلما أمكن لشعره ولمواقفه أن يفعلا.

فهو يبدع »غنيتُ مكة« و»سائليني يا شآم« و»قرأت مجدك« و»يا شآم« شعراً عربياً محضاً في أجمل تجلياته، ويسمو بالعامية العربية في لبنان إلى أرهف ضروب التعبير، ويكتب -نثرا هذه المرة- بحجة الوقوف ضدّ الإرهاب ممجّدا من كان يجسّده بامتياز، مناحيم بيغن؟ بل وأدهى من ذلك: هو نفسه الذي غنى الحضارة والسماح وقوافل الأبطال يستقبل مفتوح الذراعين من جاء يحتل غازيا بلده ومدينته!

ذلك وجه من وجوه هذه الإشكالية. لكن الوجه الأشد إثارة أن هذا الشاعر الذي استكانت له اللغة العربية، فكانت طوع بنانه، واستخلص منها الدرر والجواهر فوسعت قصائده الأرض العربية وتناقلتها الأسماع بصوت فيروز شدوا في كل مكان من أرجاء العالم الواسع، هذا الشاعر نفسه هو من كان يريد أن تنكمش اللغة العربية لتصير لغة لبنانية، وأن ينجز القطيعة معها باستبدال حروفها!

لكنّ القطيعة في الحقيقة كانت قائمة في الأساس بين سعيد عقل الشاعر وسعيد عقل المواطن، بين العبقرية الشعرية في أجمل تجلياتها الضحالة السياسية في أشدّ مظاهر تهافتها، بين فضاء يتسع لما يتسع له الشعر الفريد و زنزانة الخوف والانكماش التي تعمي البصر والبصيرة.

يصعب عليك أن تفلت من لغته الشعرية وهي تأسرك بنسيجها وبإيقاعها. ذلك ما تركه سعيد عقل وراءه، وهو ما يمكن أن يبقى على كل حال.

لن يعبأ التاريخ بمواقفه وبتصريحاته، ولن يتوقف عندها طويلاً. لكنه لن يغادر كل ما تفجرت به قريحته الشعرية.

«فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».

عقل لم ير في شاعر منافساً ولا في مفكّر ندّاً له

 

نقلاً عن موقع (العرب)

العدد 1140 - 22/01/2025