حقي أن أتعلم.. لكن ليس لأطفال مراكز الايواء!!

لم تكن المدرسة  في يوم من الأيام مصدر رعب وإزعاج للأطفال  كما هي الآن!!، فسابقاً كان الطفل يقضي أيام الدراسة بمرح وحب، فهي مكان لتلقي الطفل أصول التربية والتعليم والمعرفة، بمساعدة الأهل والكادر التعليمي، على عكس هذه الأيام بعد الأزمة، التي أثّرت سلباً على مسار التربية والتعليم، فقد ظهرت عوامل عدّة سلبية سلبت الأهداف الأساسية للتعليم ، فظهرت صعوبات التعلم التي لم تستطع المدارس التعامل معها، وخاصة مع الأطفال الذين عانوا من الحرب وشهدوا مشاهد مؤلمة أثرت على تركيزهم ومقدراتهم، لكن للأسف لم يتم تدريب كوادر تعليمية قادرة على التعامل مع هذا الظرف الذي بدا طارئاً، لكنه اليوم يشكل ظاهرة وأزمة حقيقية يجب الاعتراف بها وتهيئة الظروف لمقاومتها.

وقد سألت المدرس أحمد كيف يمكنكم التعامل مع الظرف الجديد ومع الأطفال الذين خرجوا من الأزمة؟ وهل لديكم برامج خاصة للتعامل معهم؟ فأجاب: (إن زيادة عدد الطلاب في الصف إلى الحد غير الطبيعي كان له دور مهم في عدم الاستيعاب، فالغرف ضيقة والمقاعد لاتتسع الا لثلاثين طفلاً بينما الأعداد في غرفة الصف الحد الأدنى تصل إلى الخمسين، والسبب تحويل بعض المدارس إلى مراكز للإيواء مما يقلل عدد المدارس المخصصة للتعليم، فمثلاُ تحوي منطقتنا ثلاث مدارس تحولت إلى مراكز إيواء ما أدى إلى الكثافة غير الطبيعية على باقي المدارس في المنطقة، إضافة إلى عدد الأطفال الوافدين إلى المنطقة بسبب النزوح من بيوتهم، وهذا العام الثالث على التوالي نحاول به ترقيع المشكلة لكن لا يمكن حلها إلا جذرياً، ونحن لا يمكننا تقديم الدعم أكثر من أننا نغض النظر عن تقصيرهم لعلمنا بظروفهم، أما بالنسبة للبرامج فطبعاً لا يوجد أي تدريب لنا مع أننا بحاجة إلى دورات تدريبية تتعلق بالتواصل مع أطفال الحرب والتعامل مع الأطفال في الصدمات).

وهذا ما رأته  أم عبدو (وهي أم لأطفال في المدرسة) في التغيير الحاصل لابنتها وقالت: (لاحظت تراجعاً كبيراً في مستوى التعليم لدى أطفالي، فابنتي كانت من المجتهدين لكنها تحوّلت اليوم إلى لا مبالية وغير مكترثة بعلاماتها، وكذلك الحال من الأساتذة الذين لا يتابعونها ولا يحاسبونها ما أدى إلى زيادة في التقصير، وأحياناً يوبخونها ويستخدمون أساليب الضرب معها، وقد التقيت مدرسيها لكن جاوبوني بأن أطفال مراكز الإيواء لايمكن التعامل معهم إلا بالعنف، وكثير من الأهالي تعاني مثل معاناتي، فأطفالهم تراجعت مستوياتهم، وبالمقابل لا يوجد اهتمام من المدرسين الذين يعتبرون أن تعليهم منّة عليهم ورفع عتب وبالعصا!!).

أما أم صلاح فكانت لها معاناتها المختلفة فتقول: (لقد تغيرت الحياة على أبنائنا، فهم قد أصبحوا بلامنزل في مكان يعتبره الكثيرون مثار شفقة وقرف، فبالأمس عندما أتت حملة تنظيف الشعر أرسلت لي المديرة طلباً فوراً للقدوم لأرى طفلي مع أطفال مراكز الإيواء كلهم في زاوية واحدة وركن خاص بهم مخصصين لهم أدوية تنظيف خاصة افتراضياً بأن جميع أطفال مراكز الإيواء لديهم مشاكل في النظافة، بأسلوب لا يبالي بمشاعر الأطفال بين أقرانهم، وقد أجبرتها على تفتيش ابني أمام الجميع وتيقنت أنه غير مصاب وخجّلتها أمام الموجودين، لكن هكذا هو المجتمع يريد أن يعاملنا بطريقة فوقية تماماً، وهذا ظلم لنا ولهم).

تقول الطفلة ريم (في الصف الثاني): (إن أمي غير قادرة على متابعة دروسي معي، فهي دائماً تعمل في الجلي والغسيل بالماء البارد وتنزل الدرج وتصعده عشرات المرات في اليوم الواحد لتصل متعبة إلى الغرفة مما يمنعها من تدريسي، أما معلمتي فلا تحبني وتدرّسنا بطريقة لا نفهمها، فقط تتسلّى على الموبايل).

والسؤال الذي يطرح هنا في خضمّ الحملات التوعوية التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم: ألا يستحق هذا الطفل منّا الاهتمام بعد كلّ ما حدث له؟ أعتقد أن من الواجب أن يزداد الاهتمام بهؤلاء الأطفال الذين يعانون الحرب بكل ما فيها من شناعة، فهم غادروا بيوتهم وكثير منهم عاين مشاهد خراب ودمار وقتل، ومنهم من فقد من أسرته أكثر من فرد، ومنهم من عانى من إعاقة ما نتيجة الكوارث، لكن للأسف ما نراه في مجتمعنا هو إهمال لهؤلاء الأطفال وابتعاد عن معاناتهم الحقيقية بغض النظر عن ظروفهم والتعامل معهم بفوقية، إضافة إلى تراجع التعليم بشكل عام نتيحة الأوضاع السيئة، فهاهو ذا طفلنا يعاني من الأمّرين وسط مجتمع لا يحترم حقوق الطفل بكل جوانب هذا الحق من صحة وتعليم ورفاهية ولعب وإنسانية وكل الحقوق التي ننادي بها في المدارس ووزارة التربية ودروس القراءة، فما الذي سننتظره من أطفال يعيشون التمييز والتفرقة وفقدان حقهم بتعليم جيد، وهذا سيؤثر على طفولتهم ومستقبلهم ومستقبل بلادنا التي يجب أن نعمل معاً لأجلها.

العدد 1140 - 22/01/2025