تركيا.. جسر للنفوذ الغربي في المنطقة العربية
يقف أردوغان من سورية والعراق ومصر وليبيا ولبنان موقفاً مخزياً، منذ أن هبت رياح سموم ما يسمى (الربيع العربي)، فقد ركب موجة أحداث الربيع على أمل أن يحقق أحلامه بإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية البائدة، فقد كان ومايزال طرفاً رئيسياً في تصعيد الأحداث الدامية في هذه الدول، عندما جعل من تركيا مأوى لإيواء إرهابيي العالم وتدريبهم وتسهيل مرورهم خصوصاً إلى سورية والعراق ولبنان. وصعّد أردوغان هجمته الشرسة ضد مصر بعد إنهاء حكم الإخوان المسلمين فيها من قبل شعب مصر بقيادة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، لدرجة أن رئيس وزرائه الجديد أحمد داود أوغلو اعترف بحساسية العلاقة بين مصر وتركيا عندما قال: يبدو أن العالم العربي – حسب تعبيره- ستلجأ بعض دوله إلى إعادة النظر بمسألة الاستثمارات التركية فيها إذا لم تغير أنقرة مواقفها من مصر.
وكانت تركيا قد اعتبرت الوطن العربي مجالاً رئيسياً لتحركاتها الاقتصادية والدبلوماسية، منذ أن حدث فيها تحول مهم في سياستها الخارجية قبل عشر سنوات، برزت بعد ذلك لاعباً دبلوماسياً مهماً في المنطقة، حسب الوصف الذي استخدمه ستيفن لارابي في دراسة له بمجلة (فورين أفيرز) التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.
جدير بالذكر أن هذا التحول بدأ في أعقاب انتهاء الحرب الباردة عام 1989 واختفاء الصراع الأمريكي – السوفييتي من الشرق الأوسط الذي كان يحكم ميزان القوى في المنطقة، ما أغرى دولاً إقليمية مثل تركيا للتمدد خارج حدودها، وأن تقيم لنفسها نفوذاً في منطقة الشرق الأوسط. وبدأت هذه الرؤية التركية تتبلور في التسعينيات من القرن الماضي، وبرزت بوضوح في العقد الأول من القرن ،21 وقامت أساساً على إنعاش مصالحها الاقتصادية، ولاسيما في مجال التصدير والنفاذ إلى الأسواق في دول الجوار، خاصة العربية منها، فأطلق أحمد داود أوغلو سياسة ما أسماه (صفر مشاكل مع الجوار) مع استكمال ذلك بتوجه أوسع نحو أسواق أوربا والبلقان وإيران. إلا أن الدول العربية بقيت المنطقة الحيوية للتمدد الخارجي التركي، فإلى جانب الأطماع الاقتصادية كانت أحلام تجديد الإمبراطورية العثمانية ماثلة في فكر أردوغان وسياسته، كما أشرنا قبل قليل، انطلاقاً من أن إيجاد نفوذ لتركيا في الدول العربية هو الذي يؤسس قاعدة لهذه الإمبراطورية.
ورأت دراسة مهمة لمؤسسة (كارينغي) الأمريكية أن أردوغان ركز على قضايا عربية هامة مثل قضية فلسطين، وحصار إسرائيل لقطاع غزة، بهدف تقديم نفسه في صورة بطل القضايا العربية والإسلامية، إضافة إلى أن سياسة (صفر مشاكل) مع الدول العربية مكّنت تركيا من اكتساب نفوذ سياسي وثقافي في المنطقة، فضلاً عن توسيع دائرة مصالحها الاقتصادية.
ولكن في الوقت نفسه لم يكن هذا التحول في السياسة الخارجية لتركيا يعني بأي حال إعطاء ظهرها للغرب، فهي تبقى عضواً فاعلاً في حلف الأطلسي، ولم تتخلّ عن سعيها للانضمام للاتحاد الأوربي، وكما يؤكد خبراء أمريكيون أن تركيا تحتاج إلى الولايات المتحدة، والولايات المتحدة تحتاج إلى تركيا. وفي الوقت الراهن تدور مناقشات عديدة في تركيا حول ضرورة أن يوثق أردوغان علاقة بلاده بالولايات المتحدة، وبالفعل أوفد أردوغان عدة مبعوثين إلى واشنطن لهذا الغرض، إذ يرى الجانبان الأمريكي والتركي أن نجاح تركيا في إقامة نفوذ لها في الدول العربية سوف يتيح لواشنطن وحلفائها الغربيين الفرصة لاستخدام تركيا جسراً لتأمين نفوذهم في المنطقة.. لكن هذه الطموحات الأمريكية – الغربية تلقت ضربة قاصمة بسب الموقف التركي المعادي للحكم الجديد في مصر، والتي كانت حكومة أردوغان اعتبرتها الثمرة الناضجة التي ستسقط بين يديها بمعاونة الإخوان المسلمين حليفها في خطط التنظيم الدولي للإخوان، الذي عقد العديد من اجتماعاته في اسطنبول منذ عزل محمد مرسي، خاصة أن مواقف أردوغان لم تؤثر على علاقة تركيا بمصر فقط، بل تركت آثاراً قوية على علاقة تركيا بالدول الخليجية ما عدا قطر.
وقد صرح أكثر من مسؤول تركي بأن التوتر الذي يسود العلاقة المصرية – التركية يحمل مخاطر كبيرة على صورة تركيا في أعين الشعوب العربية، وهذا ما أكده استطلاع للرأي أجراه مركز بحوث تركي، وكانت نتيجته هبوط صورة تركيا في الدول العربية من 69 إلى 40؟ هذا العام.
لقد ظن أردوغان أن وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر قد اختصر له الزمن لتحقيق أحلامه العثمانية، لاسيما أن علاقة حزبه بالإخوان قد تعززت منذ عام ،2006 وكانت لهذه العلاقة المشبوهة الأولوية في حسابات أردوغان، فوقف هذا الموقف العدائي من مصر وسورية والعراق، مما جعله يخسر علاقاته بالعرب أولاً، ويخسر الغرب ترتيباته ثانياً، بحيث تكون تركيا جسراً إلى المنطقة، والباب الخلفي للدخول إليها، متسترين وراء الصديق التركي!