«جنيف2»… نحو تلبية مصالح الشعب السوري والحفاظ على خياراته الديمقراطية
اختار الأمريكيون وضع الشرق الأوسط، وربما العالم، على حافة البركان، كي يفرضوا إيقاعهم في أي حل سياسي لإنهاء الأزمة السورية، وكان يمكن للتصعيد الأمريكي أن يؤدي دوره تماماً لولا التدخل الروسي (السلمي) المسلح بالقطع البحرية المتجولة قريباً من المياه الإقليمية السورية، والذي لم يفصل بين مشروع العدوان الأمريكي والحل السلمي للأزمة السورية، لكنه رفض المخطط الأمريكي للاستفراد بمدخلات جنيف 2 ومخرجاته.
الموقف الروسي لم يكن وحيداً في مواجهة السيناريو الأمريكي، بل ترافق مع تشكيك أوربي بمؤيدات العدوان الأمريكي، انعكس برفض بريطاني وألماني وأوربي عام، وظهر الفرنسيون بزعامة هولاند الاشتراكي في ركن منزو – كما في الماضي، حلفاء تاريخيين للإمبريالية الأمريكية ومخططاها الهادفة إلى فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية على العالم بأسره.
مسألة الكيماوي وملابساتها وأدلتها، كمبرر للعدوان، حُجّمت، بعد موافقة الحكومة السورية على المبادرة الروسية، والتفوق الأمريكي البديل لتوازن على الأرض كان يستحيل إنجازه، بفضل تقدم الجيش السوري، وانكشاف لافت لمرامي التنظيمات القاعدية (الجهادية) أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد تجاهلهم لأي مسعى سلمي، وإصرارهم على إنشاء الدولة الإسلامية المتشددة في الشام والعراق، وافتعال المعارك مع المعارضين المسلحين الآخرين، الشركاء المنددين (اضطرارياً) بالإرهاب القاعدي.
لقد نبهت المسألة الكيماوية (الملتبسة) إلى خطورة تشظي تداعيات الأزمة السورية باتجاه إقليمي وعالمي، وبات المجتمع الدولي يخشى مسائل ملتبسة أخرى تتخذها القوى العالمية والخليجية المصعدة للأزمة والداعمة لإرهاب المجموعات (الجهادية)، في محاولة لتنفيذ مخططها الذي اشتغلت عليه طويلاً.. لذلك تعالت أصوات كانت فيما مضى خافتة أو ساكتة، محذرة من خطورة استمرار الأزمة السورية، داعية إلى الإسراع في تحديد موعد لمؤتمر جنيف 2 بحضور ممثلي الشعب السوري، والتوافق على الحل السلمي الذي يوقف نزف الدم السوري، ويحافظ على الدولة ومؤسساتها في مواجهة خطر تصاعد إرهاب القاعديين.
الحكومة السورية وافقت منذ شهور على المشاركة دون تحفظ في جنيف ،2 وهذا ما أحرج الإدارة الأمريكية، التي حاولت تفسير بنود جنيف 1 باتجاه سياساتها المناورة في الأزمة السورية.. لكن السوريين الذين أرهقتهم مفاعيل أزمتهم، يتساءلون: من سيوقف إرهاب الرافضين للحوار.. والحكمة.. والتعقل.. وجميع طموحات الشعب السوري؟ هؤلاء الذين يعدون الديمقراطية بدعة.. والحداثة كفراً.. والحوار زندقة؟
صحيح أن أطرافاً أخرى يجب أن تشارك في المؤتمر العتيد، وهي تمثل أطيافاً مختلفة من المكونات السياسية والاجتماعية السورية، لكن الطرف المدجج بأسلحة أمريكية أوربية ومليارات خليجية، وعقلية قاعدية، والذي يعلن عن نفسه بمزيد من المذابح والمجازر، هل يمكن مفاوضته.. وكيف؟
صحيح أن الحوار لا يفترض تداخلاً في نوايا الذاهبين إليه ومشاريعهم، لكنه في الحد الأدنى يتطلب أخذ مطالب جماهير الشعب السوري بالحسبان في أي حوار. ونسأل هنا: هل سيقبل طيف من أطياف شعبنا أن يمثله من استقوى على سورية بالأجنبي؟ وهلل وصفق لضرب سورية بصواريخ (التوما هوك)؟ ومن يضمن ألا يستقوي هؤلاء بالشياطين على شعبهم بعد ذلك؟
إن طموح الجماهير السورية إلى الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، وإلى تمتعها بحق المواطنة على أساس من الحرية والمساواة والحياة الكريمة، وحقهم في اختيار نظامهم السياسي وطريق تطورهم المستقل، والحفاظ على ثوابتهم السياسية الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية ولكل أشكال الهيمنة والاستعمار، وإعادة إعمار بلادهم بالاستناد إلى جهودهم الذاتية ومساعدة أصدقائهم، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة، تنهي تهميش مصالح الكتلة الشعبية الكبرى لصالح النخب الثرية.
هذا هو الحد الأدنى، حسب اعتقادنا، لمن سيذهب إلى جنيف 2 بوصفه مكوناً ما من مكونات الشعب السوري السياسية والاجتماعية.. وعلى هذا الحد الأدنى ليتفاوض.. ويتوافق المشاركون.
فأين هذه المطالب التي عبر عنها بهذا الشكل أو ذاك جميع القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، وبضمنها المعارضة الوطنية في الداخل والخارج، من المشاريع التي تعمل عليها قوى الظلام والتكفير والإقصاء والتصعيد.. ومن في حكمهم؟! وكيف نضمن تنفيذ ما سيتوافق عليه المشاركون في جنيف ،2 مادامت الأسلحة الأمريكية والفرنسية الممولة سعودياً تصل كل يوم، عن طريق العثمانيين الجدد، إلى (القاعديين)، بهدف نسف كل حوار، وكل توافق على الحل السلمي للأزمة السورية في جنيف 2؟!
آن للجميع أن يعوا الخطر الذي يمثله إرهاب هؤلاء، وآن لمن أراد الديمقراطية للشعب السوري أن يساعد في تهيئة المناخ السلمي كي يقول شعبنا كلمته.
في جنيف .2. وعلى أساس احترام خيارات السوريين.. هل من محاور؟