دور الإعلام في الأزمات

أثبتت ثورة الاتصالات أن من يمتلك تقنيات الإعلام في القرن الحادي والعشرين، يشكل القوة المؤثرة في الرأي العام المحلي والعالمي، خاصة في ظل الأزمات التي تعصف بعديد البلدان، والأبرز منها أزمات ما يسمى (الربيع العربي)، الذي تحوَّل إلى خريف عصفت به الأعاصير. وتقدم الإعلام من (السلطة الرابعة) إلى (السلطة الأولى)، وأصبح المركز الذي منه نسمع ونرى ونقرأ كل ساعة ما يجري في الوطن والعالم.

إن ثورة الاتصالات أدت إلى (عولمة الثقافة) و(عولمة الإعلام)، وحوَّلته إلى (إعلام البترو- دولار). ونتج عنه إعلام مزيف يقلب الحقائق محصّن بقوة تدميرية يعمل من أجل تحقيق هدفه التفتيتي والتقسيمي في المنطقة.

الإعلام رسالة تنقل الخبر بالصورة، أو على شكل رسالة مكتوبة بلغات الشعوب، تنقل عبر الفضائيات أو شبكات التواصل الاجتماعي إلى قارات العالم الخمس المسكونة بمليارات البشر.

هناك علاقة وطيدة بين الإعلام الموجه إلى الداخل، والإعلام الموجه إلى الخارج. فالأول له علاقة مباشرة بحياة الناس وشؤونهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية. ويتوقف نجاح هذه السلطة أو فشلها واضمحلالها، على مدى العلاقة الصحيحة والثقة المتبادلة بينها وبين المواطنين من جميع الشرائح الاجتماعية ومكونات المجتمع. أما الإعلام الموجه إلى الخارج فهو أيضاً مطلوب منه أن يعبر عن أوضاع البلد بصورتها الواقعية دون رش البهارات الزائفة المقززة، وهو الإعلام الأكثر خطورة.

لقد أصيب ملايين العرب بخيبة الأمل من إعلام السلطات الموجه غير الفاعل والقابل للإقناع الذي يعمل على (تجميل صورة الواقع) وتزيينه (ميتافيزيقياً)، ما يؤدي إلى متابعة الإعلام الغربي العالي التصنيع والتقانة، يبني خطته على أسس علمية واضحة مدروسة بعناية، بواسطة خبراء ومتخصصين وأكاديميين ومستشارين يملكون الخبرات العلمية، ولهم باع في إنتاج الأزمات السياسية وإرباك النظام العربي، وإشغاله في البحث عن السبل والوسائل (مهما كانت) للخروج من هذه الأنفاق، كما يجري الآن وقبل أعوام ثلاثة. ورغم وجود من يخطط من الخارج، إلاَّ أن الأسباب الداخلية هي الأرض الخصبة الجاذبة.

ولم يشكل الإعلام السوري مثلاً في بداية الأزمة القدرة الكافية على إقناع المواطنين بما يجري في الشارع، وذلك بسبب الانبهار بالفضائيات المتطورة، التي دخلت إلى عقولهم وقلوبهم بسهولة دون مقدمات ووساطات.. ولكن بعد رفع الستار عمّا يجري وقصر حبل الأكاذيب، ووعي الناس المتزايد وقناعتهم بأن هناك من يتاجر بدماء السوريين، برزت ردود أفعال عكسية. وبدأ يتكون رأي عام محلي إيجابي شكل رافداً مؤثراً وحامياً ومناصراً ومدافعاً عن الدولة ومؤسساتها، أعاد الثقة التي غابت زمناً إلى الإعلام، فأصبح عاملاً مساعداً على مواجهة الإعلام المعادي، رغم أن إعلامنا لا يملك التقنية العالية ولا الإعلاميين المهرة المتخصصين. ولكن هذا لا ينفي وجود إعلاميين أكفاء في مؤسساتنا الإعلامية قاموا بأدوار كانت مفاجئة للخليجيين ومباغتة للدول الرأسمالية المتطورة.

الإعلام سلاح عصري فعال في تغطية الأزمات بكل فروعها وأشكالها، لما له من قدرات هائلة في الانتقال عبر القارات، واجتياز الحدود دون عقبات مهما كانت القوانين المانعة. وبإمكانه نشر الخبر أو الأخبار لأحداث عدة، وأن يؤثر بدرجة مئة وثمانين درجة في الرأي العام العالمي، وأن يجري تحولاً كبيراً في المسار السياسي العام ويؤدي إلى رد الأزمة إلى فاعليها. ومن الأمثلة التي لا تزال قيد البحث والأخذ والرد (المجازر التي تنفذها المجموعات الإرهابية بحق السوريين.. واستخدام الكيماوي في خان العسل والغوطة). وكان للإعلام السوري الدور الأول في فضح أكاذيبهم وإقناع الرأي العام.

اختلفت تطورات الأزمة السورية في عام 2013 عن العامين السابقين، من حيث المتابعة وتطوير الخبر وكشف الأكاذيب وتقديم البراهين الصحيحة.. ونقل المعلومات بنوع من الثقة والمصداقية وقبول الرأي العام المحلي والدولي بصحتها. وهذا ما برز في الشارع الجماهيري العربي مؤخراً، وفي عشرات العواصم والمدن في قارات العالم. وهتاف الملايين من الجاليات العربية والأجانب المؤيدين لحقوقنا المشروعة، وضد التهديد بالعدوان والتدخل في شؤوننا الداخلية.

ولا يمكن ترك الأزمة تسير وتتطور على نحو عشوائي، دون إعداد خطة لها ومعرفة معالجتها (المقدمة والأسباب والنتائج)، في ضوء الاستراتيجية العامة لإدارتها. وتحديد بداياتها ومعرفة زمن حدوثها والظروف المحيطة بها (الداخلية والخارجية). ومعرفة من بنى قواعدها ورسم أهدافها. والإحاطة بمفردات الأزمة ورصد مسارها ومن يوجه بوصلتها.. ولا بد من المتابعة الإعلامية اليومية خطوة خطوة، وقراءة وأرشفة ما تنشره وسائل الإعلام المعادية والصديقة.. وإنشاء مركز إعلامي يربط جميع الفروع الإعلامية به، والرد على تخرصات وتهاويل المعادين والمعتاشين على عتبات الأعداء.

لقد استطاع الإعلام السوري بإمكاناته المادية والبشرية وتقنياته المتواضعة، وما تعرضت له مؤسساته من تفجير وتدمير، أن يواجه الإعلام المعادي الذي يستخدم تقنيات ثورة الاتصالات، أن يحقق الكثير من النجاحات وإزالة الكثير من الأوهام من ذاكرات المواطنين، وتصحيح الأخطاء وتبديد الأكاذيب ونزع الغبش عن عيون الذين بهرهم اللمعان الزائف!

العدد 1140 - 22/01/2025