بعد جنيف.. الشعب السوري واثق من استعادة الأمن والسلام

عبرت الغمامة السوداء التي كان مقرراً لها أن تمطر فوق سورية قذائف الموت والدمار، وتنفس الشعب السوري الصعداء، وهو يستعد لملاقاة المرحلة التالية من مراحل مخطط العدوان الأمريكي الكبير الذي يستهدف الدولة السورية ببشرها وحجرها وحكمها وكيانها وكل شيء فيها، ليحيلها إلى دويلات صغيرة متقاتلة، واقعة بمجموعها تحت السيطرة الإمبريالية والصهيونية، كما هو الحال الآن في ليبيا.

كل هذا قد انحسر الآن، واضطر حكام واشنطن إلى القبول بالمبادرة الروسية – السورية، بخصوص السلاح الكيماوي، التي أسقطت حجج العدوان المخطط،، وإلى تغيير خطابهم، ومعاودة الحديث عن الحل السياسي ومؤتمر جنيف 2 للسلام في سورية، بعد أن شحنوا العالم كله بأجواء الحرب، ووضعوا أيديهم على زناد أسلحتهم الفتاكة. وكانوا قبل ذلك بعامين يُغذون بذور الفتن الطائفية في سورية، ويملؤون أراضيها بكل أنواع الأسلحة المهربة عن طريق تركيا ولبنان والأردن، ويستقدمون عشرات الألوف من المرتزقة الأجانب القادمين من مختلف بلدان الأرض، والمجردين من أي روح إنسانية، وحتى من خصائص البشر.

كيف حصل أن اضطرت الولايات المتحدة وعملاؤها إلى السير وراء الحل السلمي والقبول بالذهاب إلى جنيف 2؟ وهل كان سحب ذريعة السلاح الكيماوي الذي لم يظهر على الساحة إلا منذ أشهر أو أسابيع قليلة، هو السبب في الموقف الأمريكي الجديد هذا؟ فإذا كان هذا هو السبب، فلماذا سكتت الولايات المتحدة عنه، في الوقت الذي كانت مطالباتها من سورية، هي مطالبات سياسية بحتة لا علاقة لها بالسلاح الكيماوي؟

وقبل الإجابة عن هذا السؤال، نستذكر معاً أرواح عشرات الآلاف من الشهداء الذين تصدّوْا بكل بطولة للإرهابيين، والذين جسدوا شيئاً اسمه صمود سورية الذي لعب الدور الأساسي في وقف تقدم المشروع الإرهابي العالمي الذي حاول ويحاول أن يجعل من سورية نقطة انطلاق له. كما نتذكر عشرات الألوف من الجرحى، وعدة ملايين من المهجرين الداخليين والخارجيين، الذين كانوا ضحية أعمال الإرهاب والتدمير الكارثي.

وشعبنا السوري الذي كان طوال تاريخه وفياً لأصدقائه، لابد من أن يعبر عن الشكر لأصدقائه في روسيا والصين وإيران، الذين قدموا مختلف أنواع  العون لسورية.. وينوه بمظاهرات التأييد لسورية التي اجتاحت مختلف أنحاء العالم، والتي شكلت رأياً عاماً عالمياً جديداً رافضاً للهيمنة الأمريكية على العالم، وعاملاً مساعداً كبيراً على رسم ملامح نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

والآن.. وبعد أن ابتعد خطر العدوان العسكري الأمريكي المباشر على سورية، ما الذين يمكن توقعه؟

إن الأهداف الأمريكية في سورية والعالم العربي، وفي العالم كله أيضاً، لم تتحقق، بل ارتدّت عليها، وسببت لها الكثير من الخسائر، رغم مسؤوليتها الكاملة هي وعملاؤها، عن إلحاق القَدْر الأكبر من الدمار الذي أصاب شعبنا.

وستواجه الولايات المتحدة معركة تكييف أوضاع أتباعها من الإرهابيين بمختلف فصائلهم، لمتطلبات مؤتمر جنيف ،2 وللأهداف التي تبتغيها من وراء هذا المؤتمر. وسيؤدي ذلك إلى مزيد من الانقسام داخل الفصائل الإرهابية، قد لا يساعد على انعقاد المؤتمر أصلاً. وسوف تستخدم الولايات المتحدة تأثيرها على بعض الفصائل المعارضة المسلحة لتشديد الضغط على سورية من أجل ألا يكون حضورها في جنيف 2 حضوراً قوياً.. وقد يستمر ضغط هذه الفصائل ويتخذ الأشكال نفسها التي يتخذها الآن، كأعمال النسف والتدمير والخطف وغيرها.

أما القوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية والعلمانية السورية، فلها نظرة مختلفة إلى مؤتمر جنيف ،2 فهي تتطلع إليه بوصفه وسيلة لإحلال السلام والأمن والاستقرار والمصالحة الوطنية بين مختلف الأطراف السورية، وخاصة قوى المعارضة الوطنية التي وقفت منذ البداية ضد التدخل الخارجي، كما تنظر إليه على قاعدة حل مشاكل سورية والسوريين بأيديهم، وعلى قاعدة إقرار التعددية والديمقراطية وإجراء تغييرات عميقة في البلاد، من حيث أسلوب الحكم وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والشاملة.

وسيظل الهدف الرئيسي هو الحيلولة دون تحويل سورية إلى قاعدة عالمية للإرهاب، فالشعب السوري مازال يطمح إلى أن تكون سورية واحة للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعلمانية والمعاصرة في المنطقة.

العدد 1140 - 22/01/2025