المسؤولية الأخلاقية في القانون

حدد الضمير الانساني الواجبات التي يجب مراعاتها في علاقات الأفراد بالمحافظة على حقوق وحريات الأفراد والجماعات. وبما أن الإنسان حرٌّ في تصرفاته فقد تقيدت هذه الحرية بحدود الأخلاق التي مهدت لظهور القانون الذي نظم السلوك الإنساني لتحقيق الأمن والسلام والنظام والاستقرار والعدل في المجتمع، وتجاوز هذه الحدود له تبعات بتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية، وهذه المسؤولية تقوم على عدم التعسف في استعمال الحق وإلحاق الضرر بالغير.

فالمسؤولية الأخلاقية كانت نتاج الضمير الإنساني الذي يكون فيه الفرد مسؤولاً أمام الله وأمام ذاته، فلا يشترط به الأضرار بالغير، مع  ذلك لا يمكن الإفلات من العقاب عند مخالفة القواعد الأخلاقية، والتي تبقى لاقانونية طالما تتعلق بالفرد وحده، فهو الخصم والحكم في آن واحد، فالكذب العادي تستنكره الأخلاق، ولا يعاقب عليه القانون إلا إذا سبب ضرراً للغير، كما في شهادة الزور او الإدلاء ببيانات كاذبة أمام السلطات العامة.

أما في حالة فرض عدم الاعتداء ومنع النهب ومنع الاغتصاب، وإيفاء الالتزامات المدنية، واحترام حقوق وممتلكات الآخرين، فهي قواعد قانونية وأخلاقية معاً، وتتحقق المسؤولية القانونية فيها بإلحاق الضرر بالغير سواء كان فرداً او مجتمعاً. كما تخضع المحافظة على النظافة العامة والممتلكات العامة لقواعد الأخلاق والقانون.

هناك مجالات عديدة للقانون لا صلة للأخلاق بها، فالقانون ينظم الحياة الاقتصادية والسياسية للمجتمع، كقواعد السير وممارسة المهن والتعامل بالأوراق الرسمية وممارسة النشاط الاقتصادي والمؤسساتي واختصاصاتها.

ومن هنا كانت القيم الأخلاقية  مصدراً من مصادر القانون، وقد أخذ بها القانون الدولي الإنساني باعتبارها أهم مصادره، وكرسها المشرع السوري في أغلب القوانين، خاصة القانون المدني الأكثر صلة بتعامل الأفراد، وبنى قواعده على احترام ومراعاة المبادئ الأخلاقية، فأخضع المسؤولية المدنية لمبدأ كل من ألحق ضرراً بالغير يلزم مرتكبه بالتعويض حسب المادة (164) من القانون المدني. وأيضاً عندما بحث في العلاقات الجوارية في المادة (776) منه.

وأبرز المشرع أهمية القيم الأخلاقية في سبب العقد وفي الرضاء والبطلان والتعويض.

وأعطى للقاضي سلطة واسعة في إعطاء القيم الأخلاقية قوة القانون في المادة (148) من القانون المدني.

فالهدف من القانون والأخلاق هي وضع ضوابط على السلوك الاجتماعي للأفراد، وعدم تعريض حقوق ومصالح ومشاعر الآخرين للإيذاء أو الأضرار.

لكن المشكلة التي تعانيها  القيم والمفاهيم الأخلاقية هي: كيف تنشئ الحق وتظهره في ظل تطور الحياة مع تقدم التكنولوجيا ووسائل الاتصال التي فرضت عزلة على الإنسان، ورسخت لديه مفهوم العدالة الخاصة والأنانية، في عصر يلتهب بالفتن والحروب والانحلال الأخلاقي وافتقار الضمير، مما ولد شعوراً عاماً بانعدام العدالة وانعدام الاستقرار، الذي ولّد بدوره فوضى أدارية وسياسية وأخلاقية.

هذا الأمر يستوجب من المشرعين والحقوقيين والقضاء والمجتمع المدني التنسيق بين القانون والأخلاق، والحزم في تطبيق القانون على الجميع  دون أي استثناءات للمحافظة على هيبة القانون، وعدم اختراقه بالنفوذ الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، وعدم تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.

فعلى المشرع تغيير القانون إذا لم يكن معبراً عن العدالة، وليس السماح بالخروج عليه،  فتحقيق العدالة بجناحيها الأخلاقي والقانوني هو المسؤولية الأساسية للدولة ومبرر وجودها.

وعلى المؤسسات التعليمية النهوض بمهمتها، خاصة وزارة التربية والتعليم، بجعل الأخلاق مادة تُدرّس في المناهج لتربية النشء والأجيال الجديدة على مكارم الأخلاق فالمجتمعات لا ترقى إلا بالمثل العليا للأفراد.

فلا غنى لأي مجتمع يسليم فاضل متقدم عن القانون والأخلاق معا، وليس أحدهما بديلاً عن الآخر، فالقانون تضعه الدولة وترعاه لسلامة المجتمع، في حين أن الأخلاق هي وظيفة المجتمع ومسؤوليته لرقي الفرد وسموه.

العدد 1140 - 22/01/2025