رومانس عينيها
إلى (الإنسانية) الوشم/ الأيقونة، الذي يدمغ ويُزِّين ويُشرِّف، صدور سائر أفراد بني البشر. فقد اعتاد الناس، أن يتلاقوا ويفترقوا، على ما يُعرّف بهم ويميزهم، من انتماءات ومرجعيات، سواء أكانت مُسبقة/مفروضة، كاللغة والدين والقطر و.. أو، لاحقة/اختيارية، كالفكر والتنظيم والعمل و..
لئن كانت الانتماءات، على أنواعها وتفرعاتها، تؤثر وتتأثر بعضها ببعض، سلباً وإيجاباً بقليلٍ أو كثير. فغير خافٍ، أن الانتماء الاختياري الواعي، هو الأقوى لدى الإنسان. لأنه يختاره بمحض إرادته وتحبيذه. على عكس الانتماءات، التي تأتيه من الغير، ويتنكّبها بإرادة واختيار خارجَيْن عن نطاق استعداداته وقناعاته، وربما عن نطاق احتياجاته.
بيد أن ثمة تأثراً وتأثيراً على قدر وافر من الأهمية – كما أعتقد – نجدهما داخل الانتماء إلى البلد. ما بين الانتماء شبه الإجباري إليه، بما هو مسقط رأس، وأقارب وأسرة صغيرة. وبين الانتماء شبه الاختياري، بتبنيه، بما هو نظام سياسي واقتصادي وأسرة مجتمعية كبيرة.
وبقدر ما يتواءم، ويتجانس ويتكامل الانتماءان الآنف الذكر أحدهما مع الآخر من جهة، ومع متطلبات المواطن وطموحاته المشروعة من جهة ثانية. فإنهما يتآصران ويتجاسران ويتأصلان ويصبحان انتماءً واحداً هو الانتماء إلى الوطن، أو ما ندعوه بـ (الوطنية).
أمَّا الانتماء إلى الحب فهو سيد الانتماءات وراعيها وإكسير نمائها وديمومتها، لأنه أكثرها حرية وصدقاً و(نظافة). فالانتماء، أياً كان، من دون حب، يفقد كثيراً من ألقه ونقائه وجاذبيته، ويصير أشبه ما يكون بواجب ثقيل وعبء مُكرَّس.
لقد حفظت لنا المدونات، أسماء كثيرة ممن عُرفوا/عرفن، اشتُهروا/اشتًهرن، ودخلوا/دخلن ذاكرة التاريخ، من باب انتمائهم إلى عشيقاتهم، وانتمائهن إلى عشاقهن: مثل كُثيّر عزة، وجميل بثينة، وجورج صاند و.. ومن يدري يا حبيبتي فقد يحالفني الحظ ويذكر الأدب اسمي، بصفتي عاشق السمراء (…)!؟
***
ما تقدم، كان جوابي عن سؤال معذبتي – بجارح سمارها وكثير سؤالها – بخصوص الانتماء. الجواب الذي سرعان ما ولَّد لديها سؤالاً آخر، عاجلتني به:
ألا قلت لي يا عاشقي المتيّم وغائبي المقيم، ما الذي حبّبك بي. لا سيما أن حولك كثيرات ممن يصغرنني سناً.. ويفقنني علماً وثقافة و.. جمالاً ربما؟! (أضافت فاتنتي السمراء متشاوفة)..
فأجبتها مُسلِّماً بسرَّانية الخلق وجلالة الخالق، مُستسلماً لرومانس عينيها، ومُمثلاً حبي لها، بحبي للخريف، لِما بينهما، من مُشترك اللون والعمر والطفولة و..:
بغضبه وعبوسه وارتدائه عباءة زوابعه على عجل، عرفته..
بلخبطته وبعثرته، كطفل أحمق، ما نرتّب من دفاتر، ما نزين من مبانٍ، ما نُشكِّل من حدائق، وما نُهندم من أشواق وثياب وشباب، عرفته..
بشبّابته، تعزف لنا أسطورة التاريخ وتسرد قصة الخلق، عرفته..
بتهاوي أوراقه وتطايرها وتضايف ألوانها، تغذُّ البحث عن أصول نسوغها في الأرض. عرفته..
بكل ولكل ما في الخريف من خاصّ السمات والصفات، عرفته يا حبيبتي. فأُعجبتُ به وانشددت إليه و.. أحببته.