المقدمات التمهيدية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري ــ اللبناني
يطول الحديث في الذكرى التسعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. وهذه المقالة الخامسة من خيط من نور، التي تتطرق لذكر بعض الأحزاب الشيوعية العربية التي تشكلت، وكانت مقدمة لظهور الحزب الشيوعي السوري، والدور الكبير الذي قام به الشيوعي الأول فؤاد الشمالي.
ومن الأحزاب الاشتراكية والشيوعية التي ظهرت في بعض البلدان العربية، الحزب الاشتراكي المصري عام ،1921 الذي انضمَّ إلى الكومنترن عام 1922 وأصبح اسمه (الحزب الشيوعي المصري). وفي عام 1919 تأسَّس حزب العمال الاشتراكي الفلسطيني، وتمَّ قبوله في الكومنترن عام ،1924 ثمَّ تحوَّل إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني. وفي العام نفسه تأسَّس الحزب الشيوعي السوري – اللبناني. ولم يكن في سورية أنذاك حركة عمَّالية متطوّرة، خاصة أنها كانت تحت الانتداب الفرنسي الذي استمر حتى تحقق الاستقلال 1946.
ومن قراءة السيرة الذاتية للرفيق فؤاد الشمالي، الذي ينبغي تكريمه في هذه المناسبة، لكونه أحد العمال المؤسسين للحزب، أنه انتقل من لبنان إلى مصر وانضمَّ إلى صفوف الحزب الاشتراكي المصري، وكان عضواً في اللجنة المركزية، ومناضلاً في صفوف الجالية اللبنانية وعمل بدأب في تقوية النقابات العمالية وإبراز نشاطاتها وتوسيع صفوفها بين العمال، وتقوية أنصار البلشفية الجدد في الإسكندرية. وكان يرى أن العمل الأساسي هو في وطنه لبنان، من خلال نضاله سواء في الحزب الاشتراكي المصري، أو في صفوف حزب العمال اللبناني في الإسكندرية الذي أسسه عام 1922. وبعد أربعة شهور من تأسيس هذا الحزب، اتخذت اللجنة المركزية للاشتراكي المصري قراراً بفصله من الحزب.
ترك فؤاد الشمالي مصر وعاد إلى بلده (بكفيّا) في لبنان في آب 1923. وفي عام 1924 شكَّل الاتحاد العام لعمال التبغ في لبنان، وذلك استمراراً لعمله في صناعة التبغ في الإسكندرية حتى بداية الحرب العالمية الأولى. وجاء في السيرة الذاتية: لقد عملت منذ نعومة أظافري في النقابية في بداية 1916. وأسست أولاً الاتحاد اللبناني لعمال التبغ، ولم يكن ذلك الاتحاد عربياً بحتاً أو حتى مارونياً، بل كان في صفوفه عمال عرب ومن الجالية الأرمنية. وانضمَّ في بداية العمل إلى الاتحاد 12 عضواً، ثم تحوَّل إلى اتحاد رسمي في لبنان. وقال الشمالي أيضاً: لا يمكن للعامل أن يضع حداً لاستغلاله وعبوديته ما لم يتَّحد مع أمثاله من العمال ممن فقدوا حقوقهم وحريتهم. وأن الاتحاد الذي نعلن عن تأسيسه بإمكانه تحقيق نتائج واقعية فقط إذا تمّ تشكيله على أرضية متينة وعلى أسس صحيحة، وذلك من أجل تحقيق المصالح العليا للعمال من الفئات المختلفة.
وقال فؤاد الشمالي: بعد تأسيس النقابات العمالية عليَّ أن أتَّجه لتأسيس حزب سياسي للطبقة العاملة،وفعلاً أسس عام 1924 (حزب الشعب اللبناني) وانتخب أميناً عاماً للحزب. وذكر الشمالي في كتاباته (أنه في عام 1924 قامت مجموعة من المفكرين في صفوف العمال والفلاحين، بتشكيل حزب جديد، أطلقوا عليه اسم (حزب الشعب اللبناني). ومن أهم مهام هذا الحزب، كان تنظيم العمال والفلاحين في نقابات للدفاع عن مصالحهم المشتركة وتقديم المساعدات لهم).
وصدر له كتاب بعنوان (أسس الحركة الشيوعية في سورية ولبنان) جاء فيه: أنه كان من الضروري بعد تشكيل حزب الشعب اتخاذ خطوات ملموسة لاختيار أولئك الذين أكثر ثورية وتعلّماً وأشد حماسة من صفوف العمال المنتمين إلى الحزب الجديد (حزب الشعب)، وتشكيل حزب شيوعي منهم بعد غربلة الحزب واختيار أفضل الأعضاء وأكثرهم قناعة وإيماناً بثورية المرحلة وأهميتها. وهكذا.. وفي 2 أيلول ،1924 وبقيادته عُقدَ الاجتماع التأسيسي الذي شارك فيه عشرة من العمال في بلدة بكفيّا، وأعلنوا في هذا الاجتماع عن تأسيس الحزب الشيوعي، وانتخب فؤاد الشمالي أميناً عاماً، وتشكلت اللجنة التنفيذية من المؤسسين. وكان حزب الشعب هو الشكل العلني لوجود أول حزب شيوعي في سورية ولبنان.
ومن المآخذ التي سُجّلت على فؤاد الشمالي، أنه لم يوافق على مشاركة المثقفين في التنظيمات العمالية، بسبب انحيازه الكامل للعمال والفلاحين، وإيمانه المطلق بديكتاتورية البروليتاريا.. وربما هذا الموقف ساهم إلى حدود معينة في اتخاذ المثقفين موقفاً سلبياً تجاه الحزب في تلك الفترة القصيرة التي تقلّد الشمالي فيها الأمانة العامة. ويرى الشمالي، الذي أسس الاتحادات والأحزاب العمالية، أنه لا يريد أن يكون (مثل أولئك الكثر من المزيّفين، المدَّعين من صفوف المحامين والمثقفين الصحفيين والأطباء والأغنياء عموماً، الذين هم دخلاء على القضية العمالية.. الذين يهدفون إلى تجيير قوة الحزب والنقابات لأغراضهم الشخصية). ويمكن أن يكون السبب الرئيس في هذا الموقف، يعود إلى الخلافات العميقة مع الكاتب والصحفي الاشتراكي يوسف يزبك..!
لقد وافق فؤاد الشمالي بطلب من يزبك في لقاء مع رفيق (لم يذكر اسمه) على عقد اجتماع في بكفيّا في نهاية تشرين الأول 1924 للإعلان عن تأسيس الحزب الشيوعي. وفي 31 من الشهر نفسه تلقى الكومنترن رسالة من بيروت تنص على (في 28 تشرين الأول 1924 وفي العاصمة بيروت وخلال الاجتماع الأول للجنة التنفيذية، تمَّ تأسيس الحزب الشيوعي في سورية ولبنان).
إن الاحتفال بالذكرى التسعين لتأسيس حزب الشيوعيين السوريين، يأتي في فترة التحضير للمؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد..الذي سيكون مؤتمراً لتشخيص الأزمة التي حدد حزنا منذ بدايتها موقفه منها بوضوح.. وسيكون أيضاً مؤتمراً يحدد الأطرالسياسية والاقتصادية والاجتماعية لسورية المستقبل.. سورية العلمانية المدنية التعددية.