حكوماتنا بلا لون.. تفاجئ المواطن ولا تصارحه

لم نفرق على مدى السنوات الطويلة السابقة بين حكوماتنا، رغم بطء التغيير ما قبل عام ،2000 وتسارع الوتيرة عقبه، ولاسيما بعد آذار ،2011 إذ صار التغيير الحكومي سمة بارزة، مغايرة للمتبع، ولكنها في كل الأحوال غير مرتبطة بالأداء الحكومي بحد ذاته. تغيرت حكومات، ذهب رؤساء لها، وأتى وزراء على رأس حكومات جديدة، وظلت البيانات الوزارية على حالها، هزيلة، غير قابلة للتطبيق، فضفاضة في عباراتها، والأهداف التي تريد الوصول إليها، تعبر عن طموحات شرائح واسعة دون أن تطبق، فتبدو جوفاء، خالية من كل بارقة أمل ممكنة. وهذا لم يشفع للحكومة الحالية، أن ينتقد نائبها الاقتصادي بيانها الوزاري، ويؤكد في لقاء نظمه المجلس الوطني للإعلام في آب الماضي أن الحكومة باتت بحاجة إلى بيان جديد. ولم يشفع لهذه الحكومة التي تزعم أنها تعمل من أجل المواطن وتحسين مستواه المعيشي، وتخطط لمستقبل مزدهر لسورية وكل أبنائها، أن تتعرض تصريحات وزرائها للنقد الشديد، نظراً للتناقض الهائل بين أقوالهم وأفعالهم، بين ما تقوله الحكومة مجتمعة ليلاً وما تفعله نهاراً، بين ما ينتظره منها المواطن وما تنفذه. عدم التفريق بين كنه الحكومات السابقة، ودورها، والمطلوب منها، أدى إلى فشل هذه الحكومات التي أتت بلا لون ولا طعم، باستثناء حكومة محمد ناجي عطري التي لعب النائب الاقتصادي عبدالله الدردري دوراً رئيساً فيها، خاصة مع جمعه منصبي النائب الاقتصادي ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، إذ اندفعت تلك الحكومة بقوة نحو لبرلة الاقتصاد، ودردرته، ونقله من اقتصاد معتمد على القطاعات الانتاجية الحقيقية، إلى اقتصاد يستند بقوة على قطاعات الخدمات. وباستثناء تلك الحكومة التي مهدت بشكل أو بآخر لما جرى مطلع العام ،2011 بشقيه الاقتصادي والاجتماعي، كانت الحكومات السابقة بلا ملامح، لا نعرف إلى أين تقود اقتصادنا، وعلى أي سكة اقتصادية تسير؟ أو أي مسار اقتصادي تنتهج؟ ماذا تريد أن تحقق، وماذا تريد أن تفعل؟ وفي نهاية المطاف، ماذا فعلت؟ ليكون هذا السؤال من المحرمات والممنوعات، فلم تُحاسب حكومة على أخطائها، ولم ينظر في مدى تمكنها من تنفيذ وعودها. حياة برلمانية خاوية، وتحت قبة مجلس الشعب لا حكومة تخشى من برلمانيين، أتوا ممثلين للشعب، فكان السلوك الحكومي أقوى من كل أنواع الرقابات الشعبية والبرلمانية وغيرها، إلا رقابة واحدة، رقابة قادرة أن تضع الأصفاد في السواعد، دونما سبب أو بأسباب في بعض الأحايين.

فمن يمكن أن يعطينا فارقاً جوهرياً واحداً في العمل الاقتصادي، بين حكومتي عادل سفر ووائل الحلقي من جهة وحكومة عطري من جهة ثانية أو حكومة محمد مصطفى ميرو من جهة ثالثة؟ وهل ما تقوم به الحكومة الحالية يختلف في جانب الأسعار وتحريك ملف المحروقات عما بدأت به حكومة عطري ونائبه الدردري؟ هذا يجسد عدم وجود فوارق جوهرية بين حكومات الحرب والحكومات التي زعمت أنها أتت من أجل التنمية وخلق فرص العمل وترسيخ الانفتاح الاقتصادي؟ هذه الحكومات المتشابهة في الأداء والتوجهات والتصرفات والسلوك و..الخ، لايمكن أن يكون توصيفها مختلفاً؟ فالخمسية العاشرة التي وصفت بالطموحة جداً، زادت من عدد الفقراء، وسحقت الطبقة الوسطى، فكيف كانت طموحة؟ والأحرى كيف لو لم تك طموحة؟ وفي موازنات الأعوام المالية المتتابعة آنذاك، ثمة تركيز على الاستثمار، لخلق فرص عمل، زيادات في اعتمادات الإنفاقين الجاري والاستثماري، لكنها مجرد أرقام تتلى على مسامع المواطنين، أرقام لم تجد طريقاً لتصبح واقعاً. هذا الواقع القاتم لمسيرة حكومات عمرها أكثر من خمسين عاماً،  أدى إلى الترهل الكبير في عمل الوزراء، وربط الصلاحيات بشخوص الوزراء، و رؤساء الحكومات أنفسهم، لا بالقوانين والأنظمة. باختصار إنها حكومات غير واضحة التوجهات، تخبئ أكثر مما تفصح، وتضمر أكثر مما تعلن، وتفاجئ مواطنها أكثر مما تصارحه، حكومات عمل وزراؤها  على الأغلب  بعقلية الموظف التقليدي العادي السلبي، لا بعقلية رجل الدولة.

العدد 1140 - 22/01/2025