حصاد مرير للأزمة في سورية.. تحولنا إلى شعب ينتظر المعونات الإغاثية!

ازداد عدد الفقراء في سورية، وتحول قسم كبير من شعبها إلى لاجئين ومهجرين في الداخل أو دول الجوار، وظهرت حالات إنسانية شديدة القسوة، فيما الاقتصاد يعاند التوقف، ويحاول العمل في ظروف لم تعد مواتية لأي عمل. ولم تترك الحرب الطاحنة شيئاً، وأتت على كل ما بوسعها أن تلتهمه وتقضي عليه. وباتت محاولات زرع التفاؤل في غير محلها، بعد تكشّف حجم المأزق الاقتصادي الكبير، ومدى الأضرار التي لحقت بالناس على مختلف الصعد، وأدت إلى زيادة التحديات التي تواجههم، وخلق حالة من التشاؤم بأن القادم على المدى المنظور ليس أفضل مما مضى.

ومع إسدال 2013 ستاره، تبدو جردة حسابه سيئة، فالشركات الصناعية المتوقفة تتزايد، والزراعة في حالة يرثى لها، وعدد العاطلين عن العمل إلى ارتفاع، بينما الغلاء يلتهم الدخول المتدنية أساساً، وهذا يشكل تحديات يصعب مواجهتها بسهولة، وستظهر مخاطرها في المرحلة القادمة. إذ لا أخطر من توقف جناحي التنمية ـ الزراعة والصناعة ـ عن العمل، فهناك 20 نقطة ضعف أمام الزراعة حسب تقرير للاتحاد العام للفلاحين، مقابل أربع نقاط قوة، وذلك قبل اندلاع الأزمة في سورية، استناداً إلى تحليل الوضع الراهن للزراعة بالخمسية العاشرة (2005 ـ 2010). بينما الصناعة، رغم كل محاولات الاصلاح الوهمية والحقيقية، يقف في وجهها 22 تحدياً، حسب تقرير للوزارة صدر مؤخراً، لمعالجة مشكلاتها الإنتاجية والتسويقية. ولو بحثنا في القطاعات الأخرى لوجدنا تحديات لا يقل عددها عن تلك المذكورة في الصناعة والزراعة، وبالمناسبة الجزء الأكبر من هذه التحديات موجود قبل الأزمة، وتفاقمت على مر السنوات الماضية، وتُركت تنمو وتكبر حتى خرجت من (قمقمها)، قوية وحادة، وتحتاج إلى جهود جبارة لمعالجتها.

أرخت الأزمة الخانقة في سورية بظلالها السلبية على الاقتصاد، بشكل واضح، رغم تجاهل أن أحد جذور هذه الأزمة، وعناوينها الرئيسية، هو الاقتصاد وما ينطوي تحته من مشكلات، أدت إلى إشعال فتيلها. فالنهج الاقتصادي السابق، والتحول الاقتصادي غير المدروس، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، إضافة إلى السياسات الاقتصادية الانتقائية، وتوقف الإصلاح الاقتصادي والإداري، وعدم حصد نتائج جيدة له خلال العقد الماضي، وغيرها من الأسباب، كانت كلها المقدمات الموضوعية للأزمة في شقها الاقتصادي. بينما حصاد الأزمة في هذا المجال لايقل خطورة عن أي جانب آخر، والمسألة هنا لا تتعلق بإحصاءات الوزارات حول خسائرها، ومدى الضرر الكبير الذي لحق بالمنشآت الاقتصادية، فهذه إحصاءات جافة، وتقديرات يُشك بأمرها، ويلفها الغموض، مادامت الجهات التي تصدرها هي ذاتها اللجان المعنية بالعمل، أي أنها غير حيادية. وثمة معلومات مؤكدة، تتعلق باتباع هذه اللجان طريقة مثيرة للتساؤل مفادها جمع كل الخسائر السابقة والملفات التي عليها إشارات معينة، في سلة الخسائر الناجمة عن الأزمة. إذ شكلت هذه الأزمة فرصة كبيرة للبعض، لطي ملفات سابقة، والتخلص من إشكاليات عالقة، ما يستدعي التساؤل: أليس ملف تقدير الخسائر منتفخ؟ لايمكن الإجابة عن هذا التساؤل، رغم أنه تساؤل غير افتراضي، وله جذور راسخة، والحالات المقصودة لا تخفى على البعض، لكن الصعوبة اليوم في إثبات ذلك، لأن كومة القش الهائلة تحتاج إلى نبش، وفرز، وتدقيق، للوصول إلى نتائج.

اقتصادنا لم يعد اقتصاداً، وحياتنا لم تعد حياة، ومؤسساتنا لم تعد مؤسسات، وأزمتنا المهولة، والقاتلة، والقاسية، حصيلتها مثيرة، ومرعبة، تتمثل في التحول الجوهري المؤلم لدينا، إذ تحولنا من شعب لا خوف عليه من الجوع، إلى شعب ينتظر المعونات الإغاثية الغذائية والدوائية، ومن شعب مُستقبِل للأشقاء اللاجئين ومرحِّب بهم، إلى شعب لاجئ غير مرغوب فيه، ومن شعب طيب إلى آخر يشهر سكين الذبح بوجه بعضه بعضاً. تلك هي المسألة التي يندى لها الجبين، والتي تصبح الخسائر الاقتصادية، على ضخامتها، تحصيل حاصل.

العدد 1140 - 22/01/2025