قضايا المرأة في بوتقة الشأن العام فلتكن حاضرة في كل تحرّك وطني مدني!
على اعتبار أن لا تقدم ولا حرية للمجتمعات بعيداً عن تقدّم المرأة وتحررها، وعلى اعتبار أن المرأة تشكّل نصف المجتمع، فإنه من الواجب والضروري أن تأخذ قضاياها عامة حيّزاً غير قليل في كل تغيير وتعديل يطول المجتمع بكل نواحيه وبُناه المختلفة (الاقتصادية والقانونية والسياسية). كما يجب أن تكون تلك القضايا أحد أهم محاور التوجّه في كل حراك مدني أو حكومي، وذلك لأسباب متعددة يمكننا أن نُلخّصها بما يلي:
– المرأة في كل المجتمعات الإنسانية شريك أساسي في صناعة الحياة وتطور المجتمع، بما تمنحه إياه من أفراد يرفدونه بطاقاتهم وبثقافتهم وقيمهم التي غرستها في نفوسهم الأمهات، ومن هنا يكون القول إنه لا تطور للمجتمع بعيداً عن تطور المرأة وتحررها صحيحاً إلى أبعد الحدود.
– لم تعد المرأة أسيرة الحرملك الذي كبّلها بالتبعية في كل مناحي الحياة، بل أصبحت منذ عقود إنسانة فاعلة في الحياة الاقتصادية، منذ انخرطت بالعمل في جميع القطاعات الهامة، لاسيما الإنتاجية، وهذا ما انعكس على الشأن العام بتلك المشاركة، وعلى الشأن الخاص/ الأسري بدعم موارد الأسرة وتحسين مستواها المعيشي في الريف والمدينة على حدّ سواء.
– لأن المرأة في الدول التي تشهد حروباً أو نزاعات أهلية من أكبر دافعي ضرائب تلك الحروب، بوصفها أمّاً وأختاً وزوجة وابنة، وهي في جميع هذه الحالات تنوب عن الرجال الغائبين في رعاية شؤون الأسرة المادية والمعنوية.
غير أن ما لمسناه على مدى الحراك والأزمة السياسية القائمة منذ أكثر من عامين، يشي بأن المرأة وقضاياها هي من المكونات المنسية في المجتمع. ومما يُعزز قولنا هذا خلو الدستور الجديد من مواد تؤكّد مبدأ المساواة على أساس المواطنة دون التمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، كما ورد في المادة 33. لكن الدستور ذاته عاد وتنكّر لهذه المادة صراحة عندما وضع شروط الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية في المادة 84 الفقرة 4 التي تحدد أن لا يكون متزوجاً من غير سورية. وهنا يبدو واضحاً منع المرأة السورية من ممارسة هذا الحق بتحديد زوجة الرئيس، لا زوج رئيس الجمهورية، وفي هذا تمييز قائم على أساس الجنس يتناقض مع المادة 33 ، ويتناقض أيضاً مع المادة 23 التي تنص على أن توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع. فما هو المقصود بالمساهمة الفعّالة والكاملة في الحياة السياسية و.. إلخ، وكيف ومتى يمكن أن تُزال القيود التي تمنع تطور المرأة ومشاركتها في بناء الدولة والمجتمع…؟ أم أنه ما زالت تتحكّم في مجريات الأمور ذهنية رجعية- أصولية (ربما تكون قد شاركت بصياغة المشروع) لا ترى في المرأة إلاّ تابعاً للرجل ناقصة عقل ودين، ولا تؤمن بقدراتها وما توصّلت إليه من تقدم علمي وعملي يؤهلها لتقلّد المناصب كما الرجل تماماً.
صحيح أنه لا يمكننا إغفال بعض التعديلات الإيجابية على بعض مواد قانون العقوبات لصالح المرأة، كصدور المرسوم رقم 37 للعام 2009 الذي عُدّلت بموجبه المادة 584 التي تمنح قاتل المرأة البراءة فيما يخص جرائم الشرف، إذ رُفعت مدة الحبس إلى سنتين، ثم عُدّلت هذه المادة بالمرسوم التشريعي رقم 1 للعام 2011 لتُصبح خمس سنوات مع بقاء الاستفادة من العذر المخفف، هذا العذر الذي تسعى الحركة النسوية السورية للتخلص منه، باعتباره يُبقي على مبررات قتل المرأة تحت ذرائع وحجج واهية تحت مظلة القانون، والمطالبة بأن تُعدّ هذه الجريمة جريمة قتل عادية يُعاقب عليها بموجب قانون العقوبات العام دون تمييز.
إضافة إلى إلغاء المادة 508 من قانون العقوبات التي كانت ذريعة كبرى تمكّن مرتكب جريمة الاغتصاب من الإفلات من العقاب إن تزوّج من الضحية، لكنه الآن وفي ظل هذا المرسوم أصبح يُعاقب بالحبس مدة سنتين على الأقل حتى إذا تزوج من ضحيته زواجاً صحيحاً.
صحيح أن هذه التعديلات هي خطوة إيجابية على طريق المساواة الذي تنشده جميع النساء، لكنها تبقى تعديلات لا تنفي التمييز القائم على أساس الجنس، وربما يكون مصيرها كمصير قرار رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 11/7/2011 والقاضي بتشكيل لجنة وزارية من أجل تعديل المادة 3 من قانون الجنسية بما يسمح للمرأة السورية منح جنسيتها لأبنائها أسوة بالرجل. غير أن مصير هذا القرار كان الإهمال ورفض مجلس الشعب مناقشة التعديل برمته، وفي هذا دلالة قاطعة على رفض النهوض بواقع وحقوق المرأة رغم أن البلاد تشهد حراكاً حقوقياً على مختلف المستويات والشرائح.
ما نريده اليوم جملة قضايا دأبت نساء سورية على المطالبة بها دون جدوى وهي:
– رفع التحفظات السورية على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة- السيداو- التي أفرغت الاتفاقية من محتواها ومضمونها الأساسي في تعزيز مساواة وتمكين المرأة في كل المجتمعات الإنسانية.
– تعديل جميع القوانين التي تعزز التمييز والعنف ضدّ المرأة السورية، سواء في قانون العقوبات أو قانون الجنسية أو سواهما من قوانين صاغتها العقلية الذكورية في مجتمع لا يرى في المرأة كائناً مساوياً للرجل مهما بلغت من مراتب اجتماعية أو حكومية أو علمية.
– منح المرأة جنسيتها لأبنائها أسوة بالرجل، بكل ما يترتب عليها من حقوق وواجبات..؟
– سنّ قانون أسرة عصري يواكب التطورات التي تشهدها الأسرة السورية بدل قانون أحوال شخصية تراثي لم يعد يتلاءم مع ما وصلت إليه المرأة والأسرة السورية.
– التشدد في منع زواج الطفلات، وذلك من خلال الالتزام الجاد بإلزامية التعليم، والقضاء على ظاهرة التسرّب المدرسي لاسيما في صفوف الإناث.
– الاهتمام بالصحة الإنجابية، للحدّ من ارتفاع معدلات النمو السكانية التي باتت مشكلة حقيقية تُهدد الاقتصاد الوطني من جهة، ومن جهة أخرى ترهق كاهل المرأة بأعباء تعرقل إمكانية تطورها.
– الاهتمام الفعّال بتنمية المرأة الريفية، ورفع سوية وعيها بحقوقها التي تسحقها الأعراف والقيم الاجتماعية التقليدية، كحرمانها من الإرث وإكمال تعليمها، واعتبارها يداً عاملة غير مأجورة.
– تعزيز حضور المرأة السياسي، وذلك بمشاركتها الحقيقية والفعّالة في الحياة السياسية للبلاد بعيداً عن مظاهر المساواة الشكلية في الانتخابات أو في سواها.
هذه هي بعض مطالب النساء السوريات، نأمل أن تكون حاضرة في كل تحرك وحوار وطني، وذلك من أجل تحرر المجتمع الذي لا يمكن أن يُنجز بعيداً عن تحرر المرأة.. فهل لصوت النساء السوريات أن يصل إلى أسماع المعنيين في سورية الحبيبة؟