المقاتلون الأجانب في سورية أعدادهم مجهولة

(وصل السعودي ثامر الجاهل وانضم إلى الدولة الإسلامية) … (وصل أربعة مصريين وانضموا إلى جبهة النصرة)… (تعيين أبو علاء المصري مفتياً لألوية صقور الشام)… هذه عيّنة من الأخبار التي حفلت بها الصفحات (الجهادية) خلال اليومين الماضيين.

فما زال (المقاتلون الأجانب) يتوافدون إلى الأراضي السورية التي تحوّلت إلى أقوى نقطة جذب لـ(الجهاديين) من كل أصقاع العالم. فحتى في إندونيسيا لوحظ أن الحماسة للقتال في سورية فاقت حماسة الإندونيسيين للقتال في أي مكان آخر من قبل.

وثمة إجماع عالمي على أن سورية أصبحت أكبر مركز لتجمع (الإرهابيين)، وقد وصفها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بمغناطيس الإرهاب، في إشارة إلى قلق الإدارة الأمريكية من تفشي الظاهرة وتأثيرها على دول المنطقة.

لكن بالرغم من الإجماع على خطورة الإرهاب في سورية، وتحوّله إلى ظاهرة مقلقة ومخيفة للبعض، يلاحظ أن ثمة تواطؤاً ما على عدم الكشف عن حقيقة المشهد في سورية وإبقاء تفاصيله طيّ (التجهيل) أو (التعتيم).

وقد يكون التفصيل المتعلق بأعداد (المقاتلين الأجانب) الموجودين على الأراضي السورية مثالاً على ذلك، فلا أحد يريد أن يكشف حقيقة هذه الأعداد، فالبعض تقتضي مصلحته بتقليلها، والبعض الآخر يسعى إلى مضاعفتها، وبين هذا وذاك تصدر عن معاهد دراسات ومراكز أبحاث إحصاءات وأرقام شديدة التناقض تجعل من الوصول إلى تقدير حقيقي للأعداد أكثر صعوبة.

وقد كان لافتاً في الأيام الماضية، أن يصدر عن الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية تقديران لأعداد (المقاتلين الأجانب) في سورية، على درجة كبيرة من التناقض والاختلاف، رغم أنه لا يفصل بينهما سوى أقل من 24 ساعة. فقد قال مدير الاستخبارات الأمريكية جيمس كلابر، في إفادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي الخميس الماضي: (نعتقد في الوقت الراهن أن ما يزيد على سبعة آلاف مقاتل أجنبي جاؤوا من نحو 50 بلداً، بينها دول كثيرة في أوربا والشرق الأوسط). في المقابل، أعلن رئيس هيئة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي أن (هناك 30 ألف عنصر ينتمون إلى الجهاد العالمي يقاتلون في سورية حالياً). ورغم الهوة الكبيرة التي تفصل بين التقدير الأمريكي والتقدير الإسرائيلي، إذ الفرق بينهما يزيد عن 20 ألفاً، إلا أن كلا التقديرين مع ذلك يبدو متواضعاً أمام حقيقة المشهد السوري.

وإذا كان لا يمكننا في البداية إلا الإقرار بصعوبة الوصول إلى تقدير يعبر عن حقيقة أعداد (الجهاديين) الموجودين على الأراضي السورية، إلا أن هناك مؤشرات ومعطيات من شأنها أن تساعدنا على رسم صورة أقرب إلى الحقيقة من صورة التقديرات الأمريكية والإسرائيلية.

فمنذ عام ونصف العام تقريباً، وفي الوقت الذي لم يكن يتحدث فيه أحد عـــن وجـــود مقاتلين أجــــانب فـــوق الأراضي السورية، خرج علينا رئيس (حزب الأمة) الخليجي حاكم المطيري وأعلن، على حسابه على (تويتر)، أن (نحو 15 ألف مجاهد خليجي يقاتلون في سورية). وقد لا يبدو هذا الرقم مبالغاً فيه، لا سيما أنه يتقاطع بطريقة ما مع تصريح أدلى به مؤخراً مندوب سورية لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، تحدث فيه عن اعتقال السلطات السورية نحو 800 مقاتل سعودي.

وفي السياق نفسه، تبدو التقديرات الأمريكية والإسرائيلية السابقة غير دقيقة على الإطلاق، إذا ما نظر إليها على ضوء الإحصاءات التي أصدرها التيار السلفي (الجهادي) الأردني، التي تحدثت عن مقتل ما يزيد عن 9936 مقاتلاً أجنبياً في سورية منذ بدء الأزمة فيها. ورغم الملاحظات على إحصاءات التيار السلفي الأردني، إلا أنها تمثل قرينةً مهمة على أن (المقاتلين الأجانب) الأحياء الذين ما زالوا يقاتلون في سورية، تبلغ أعدادهم أضعاف عدد من قتل منهم بحسب إحصائه، إذ لا يعقل أن تكون التنظيمات (الجهادية) قد خسرت القسم الأكبر من مقاتليها، وما زالت في السوية القتالية نفسها التي كانت تتمتع بها! مع الإشارة إلى أن إحصاءات التيار السلفي الأردني تحدثت عن قتلى ينتمون فقط إلى نحو 20 جنسية فقط، بينما من الثابت أن المقاتلين الأجانب في سورية ينتمون إلى أكثر من 50 جنسية من مختلف دول العالم.

ويلاحظ أنه ليس في هذه الإحصاءات أي تعداد لقتلى الجنسيات الأوربية مثلاً، مع أن أعداد (الجهاديين الأوربيين) في تزايد مستمر، ووفق بعض التقارير الإعلامية المستندة إلى تصريحات مسؤولي الاستخبارات الغربيين فإن العدد تجاوز ألفي مقاتل أوربي في سورية. إضافة إلى أن إحصاءات التيار السلفي الأردني غير دقيقة، وأعطت أرقاماً أقل من الواقع، وقد ثبت ذلك عندما قدّرت أعداد قتلى القوقاز بنحو 30 قتيلاً فقط، بينما أكد القائد العسكري لتنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) (داعش) عمر الشيشاني أن نحو 500 شيشاني قتلوا في سورية.

ومؤخراً صدر تصريح في غاية الأهمية عن (الجهادي) السعودي عقاب ممدوح المرزوقي، الذي يتولى منصب (المنسق) المسؤول عن توافد (المقاتلين الأجانب) في (داعش)، فقد ذكر تقديرات مستندة إلى السجلات التي يحوزها بحكم منصبه، وقال إن (ما يزيد عن 700 مجاهد يدخلون إلى سورية شهرياً للانتساب إلى الدولة الإسلامية)، مشيراً إلى أن هؤلاء ينتمون إلى 57 جنسية من مختلف دول العالم.

مع العلم أن المرزوقي جاء إلى سورية قبل الخلاف بين (جبهة النصرة) و(داعش) بنحو ستة أشهر. وعليه، فإن أعداد من ينتسبون إلى (الدولة الإسلامية) كل عام يبلغ نحو 8400 مقاتل أجنبي. لكن هنا ينبغي التنبيه إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أن هذا الرقم لا يشمل أولئك الذين أرسلهم زعيم (داعش) أبو بكر البغدادي من العراق لتشكيل (جبهة النصرة) في بداية الأمر. إذ بقي رقم هؤلاء سرياً وغير معروف، والتلميح الوحيد حولهم هو الذي صدر عن البغدادي نفسه عندما قال إنه أعطى زعيم (النصرة) أبو محمد الجولاني شطر ماله ورجاله، فما هو الشطر وكم يبلغ؟ لا أحد يعرف حتى الآن.

ولكن المواجهات الأخيرة بين (الجبهة الإسلامية) وحلفائها من جهة و(الدولة الإسلامية) من جهة ثانية، قد تعطينا مؤشراً على عدد مقاتلي (داعش) من الأجانب. إذ يقال إن نحو 70 إلى 80 في المئة من مقاتلي (الدولة الإسلامية) هم من الأجانب. وفي حلب وحدها ذكر أحد قياديي (داعش) أن لديه ما يزيد عن 12 ألف (مجاهد)، أي بينهم نحو تسعة آلاف أجنبي بحسب النسبة السابقة. ناهيك عن الرقة التي سيطر عليها تنظيم (داعش) بالكامل، وتعتبر عاصمة وجوده في سورية، وكذلك ريف إدلب وريف اللاذقية، إضافة إلى دير الزور وكذلك الحسكة حيث أعلن عن تأسيس (إمارة) في مدينة الشدادي.

هذا ونحن لم نتحدث سوى عن المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم (داعش)، بينما هناك عشرات الفصائل التي تستقبل مقاتلين من الخارج، على رأسهم (جبهة النصرة) التي يقدر عدد (المقاتلين الأجانب) في صفوفها بالآلاف. وكذلك (صقور العز) التي يقدر عددها بنحو 500 مقاتل، غالبيتهم سعوديون، و(جنود الشام) بقيادة مسلم الشيشاني ويقدر عددهم بنحو 700 مقاتل، غالبيتهم شيشانيون، و(كتيبة المهاجرين) بقيادة أبو صهيب الليبي، التي يقدر عددها بنحو 350 مقاتلاً، غالبيتهم ليبيون، و(الكتيبة الخضراء) ويقدر عددها بنحو 300 مقاتل، غالبيتهم سعوديون وخليجيون، و(جند الأقصى)، التي قتل مؤخراً قائدها أبو عبد العزيز القطري، ويقدر عددها بنحو ألف مقاتل غالبيتهم مهاجرون من جنسيات مختلفة، و(فرسان الصحابة) التي انشقت عن (داعش) ويقدر عددها بنحو 200 مقاتل، جميعهم أجانب.

ولا ننسى أعداد المقاتلين الأجانب في (أحرار الشام)، إذ تضم هذه الحركة كتيبة (الفرقان) المتكونة من مقاتلين أجانب فقط، ولا يعرف عدد عناصرها بدقة ولكن يعتقد أنهم يتجاوزون الألف مقاتل. وكذلك فإن (جيش الإسلام) بقيادة زهران علوش افتتح منذ أشهر معسكراً لاستقبال مقاتلين أجانب يتسع لنحو 1500 مقاتل.

وفي خطوة لها دلالة، أعلن رئيس مجلس شورى (الجبهة الإسلامية) أبو عيسى الشيخ، وهو في الوقت ذاته قائد ألوية (صقور الشام)، عن تعيين أبو علاء المصري، الذي يعتبر من أقدم (المهاجرين) العرب إلى سورية في منصب (المفتي العام) للألوية التي يقودها، وذلك بعدما انشق عنه المفتي العام السابق أبو عبد الرحمن السرميني بسبب عدم رغبته في خوض الفتنة الدائرة بين الفصائل.

إنها أعداد كبيرة، وغير محدودة، من المقاتلين الأجانب، دخلت وتدخل وستدخل إلى سورية. وتبدو محاولة إحصائها عبثية من كل الجوانب، ليس لأن من المستحيل إحصاءها وحسب، ولكن لعدم جدوى هذا الإحصاء. فما الفرق بين مقاتل سوري أو مقاتل أجنبي ما دام الاثنان يتبعان النهج والتفكير والتكفير والسلوك الدموي نفسه، والأهم ما دام الاثنان لا يعترفان بالجنسيات وتصنيفاتها ولا بالوطنيات وولاءاتها، ويعتبر كل منهما نفسَه (مقاتلاً إسلامياً) هدفه (دولة الخلافة)، التي لا تُبنى، بحسب أدبياتهم، إلا على الجثث والدماء والأشلاء.

عن (السفير)

العدد 1140 - 22/01/2025