بحاجة إلى معجزة… الاقتصاد السوري في الهاوية

كيف لاقتصادنا أن ينهض؟ هو السؤال المشروع الذي يُسفح على وجه كل من يبحث عن مخرج آمن لاقتصادنا المتوقف عن العمل، العاجز، المرغم على المراوحة في المكان، المستهدف على كل الجبهات، المُثقل بمشكلات ليست طارئة، المُحمَّل بهموم قاسية وصعبة ومؤلمة. كيف له أن ينهض ومؤشراته لا تدع مجالاً، أو فسحة للأمل.

لايبدو مشهد الاقتصاد السوري مبشراً، هو مشهد قاتم، ليس على المدى المنظور، إنما على المدى البعيد، لم يبق في هذا الاقتصاد المتعب أساساً ما يثير سوى القلق، تراجع في إنتاج النفط من 385 ألف برميل باليوم إلى 14 ألف برميل، ونحو 70% من المنشآت الصناعية متوقف، وأكثر مزارعي القطن في حالة شكوى دائمة، تراجع في زراعة المحاصيل الإستراتيجية وعلى رأسها القمح. وللأسف، من يزرع القمح لم يعد بحاجة إليه، مادامت الحكومة لا تشتري قمحه، وتستورد الطحين. لا ذنب لمزارع أن الحكومة لا تستطيع تأمين المطاحن، فقررت اختيار أسهل الطرق: شراء الطحين، واستيراد الأعلاف، وترك الفلاح وحيداً يواجه العاصفة.

 ثالوث اقتصادنا، المتمثل بالصناعة والزراعة والثروات الباطنية، لم يعد فاعلاً، بات منهكاً، النفط يستنزف بطرق بدائية، وفاتورة هذا العمل ستكون باهظة جداً، والصناعة حتى تُقلع من جديد تحتاج إلى مليارات الدولارات، وتعزيز مناخ ثقة جديد، أما الزراعة فحكايتها مختلفة، وعوامل استمرار المتمسكين بأرضهم يزرعونها رغم كل المخاطر، التي لا علاقة للسماء بها، بحاجة إلى قرارات وطنية، تضع المُنتجين الحقيقيين ومنهم الفلاحون وهمومهم ومشكلاتهم  في واحدة من  الأوليات المستعجلة.

من البساطة والتبسيط، رمي الكرة إلى ملعب الأزمة الراهنة، ومن السهولة البحث عن مبررات لا تغني ولا تسمن من جوع، لكن من الصعوبة أن نجد الحلول، وأن نبحث في عمق الأزمة الاقتصادية، التي لم تترك نقطة مضيئة في اقتصادنا إلا وحاولت إطفاءها، ولم تدع درباً ممكناً للعبور إلا وزرعته بالأشواك، ووضعت الحواجز فيه، لكنها بالنهاية أزمتنا ومشكلتنا، ونحن المتضررون منها، أيا كانت أسبابها ومسبباتها. كيف لاقتصادنا المترهل، الذي يلبس ثوب الرجل المريض، أن يخلق فرص عمل لنحو 4 ملايين شخص فقدوا فرص عملهم؟ وكيف لاقتصاد مدمر، أن يعيد بناء نفسه؟ وكيف لمعدلات النمو السلبية أن تنتقل إلى جادة الإيجابية بغض النظر عن النسبة؟ ألا يحتاج ذلك إلى معجزة اقتصادية، شبيهة بتلك التي قامت بها بعض الدول الأوربية عقب سنوات الدمار في الحرب العالمية الثانية؟ معجزة تكون قادرة على وضع نهج اقتصادي واضح المعالم، قابل للتطبيق، يلم شمل كل الفاعلين على الساحة الاقتصادية، ويتخلى عن (الفذلكات) التي سئمنا منها، ووضع ما يلزم لدعم المنتجين الحقيقيين، ويستثمر الطاقات الموجودة، التي هدرناها بكل ما أوتينا من قوة، فطردت العملة الرديئة العملة الجيدة، بدليل أن كوادرنا التي تعمل في الخارج تتألق، وتنجز، بينما كانت في الداخل مغبونة في حقها، مستثناة من العمل. هل نحن اقتصاد الشركات الكبرى  القابضة  أم الصغيرة والمتوسطة؟ هل اقتصادنا يشجع على الإنتاج أم أنه نابذ له؟ أليست هذه بعض أسئلة تبحث عن إجابات قادة الرأي الاقتصادي والمسؤولين الكبار عن إدارة هذا الملف؟

اقتصادنا في الهاوية، تلك هي الحقيقة، وليست اكتشافاً، فسنوات الأزمة التي كانت أشد ظلماً وقهراً من سنوات الرخاء الاقتصادي الوهمي الذي كنا نعيشه، كشفت كل ما حاول المسؤولون تخبئته، وعرّت كل المساوئ التي كنا نحاول عدم الغوص فيها، ولهذا لا ينفع إطلاقاً سؤال تقليدي أقرب ما يكون إلى العمل البحثي: اقتصادنا إلى أين؟ لأن تحديد الوجهة، كان أشبه بأمر العمليات، واقتصادنا اليوم في القاع، يستنجد، ويبحث عن منقذ. ليكون السؤال البسيط والحتمي: ماذا يمكن أن نفعل؟

العدد 1140 - 22/01/2025