دور الحذاء في التاريخ

من المتعارف عليه أننا نحن الشرقيين، كلما ذكرنا مفردة الحذاء قرنّاها بعبارة (أجلّك الله)، أو (الله يعزّك)، أو (أنت أكبر قدراً)، في إشارة إلى وضاعته، فيما هو حقيقةً لا يختلف عن غطاء الرأس مثلاً سوى في مكانه على خارطة الجسد… وعلى هذا المنوال، يوصف النذل والمنحط بأنه مثل الحذاء (لا تشلحو من إجرك).. كما يعتبر الضرب بالصرامي من أشد أنواع الضرب إيلاماً، الأمر الذي وضع صحفياً مغموراً مثل منتظر الزيدي في مرتبة الأبطال، عندما رمى بوش الصغير بحذائه، فيما كان رئيس الدولة العظمى يبتسم، بعد أن نجح في تفادي الضربة برشاقة يحسد عليها.. لأنه هو وموروثه الجمعي يعتبران الحذاء كأي غرض له حاجته، لا إهانة بحد ذاته..

***

والحذاء لعب أدواراً مهمة ومفصلية في حيوات كثير من البشر والشعوب…

فحذاء سندريلا صنع حكاية شيقة تناقلتها أجيال وحضارات مختلفة ومتباينة، شاهدها الصغار في أفلام الكرتون ونسج عليها الكبار مئات القصص والروايات، بل إنه دخل قصور الأمراء وصنع قراراتهم، ولولا ذلك الحذاء لكانت سندريلا امرأة عادية تمضي جلّ عمرها في الشطف والكنس والطبخ، لترضي زوجاً يأتي في آخر النهار ويبدأ مطالبه التي لا تنتهي إلا بعد أن يخلد إلى النوم… حتى يحق لنا أن نتساءل: هل يقل حذاؤها أهمية عن سيف دون كيشوت مثلاً؟

ويقال  في حكاية مختلقة ربما، أو في إشاعة مغرضة  إن اجتماعاً هاماً بين زعيمي قبيلتي بكر وتغلب »كليب وجساس«، وهما أبناء عمومة كما هو معروف، كان من الممكن أن يؤخر اندلاع الحرب المعروفة بحرب البسوس، أو حتى يمنعها ويوفر على البشرية حينذاك عشرات الآلاف من الضحايا، ومئة عام من الاقتتال العبثي، قد ألغي بسبب نعل كليب،  فبعد أن استفاق كل منهما صباح اليوم الموعود، وحلق ذقنه ولمع حذاءه »إنتو أكبر قدر« أحس كليب، بعد أن خرج من مقر إقامته في جنيف، بنخزٍ أسفل قدمه، فظنها بحصة عنيدة استوطنته،  وبعد أن خلعه ليحل المشكلة انتبه إلى أن نعله مثقوب ويحتاج إلى إصلاح، لأنه لا يلبس حذاءً فرنجياً، طلب من سائقه البحث في شوارع جنيف عن كندرجي، مما سبب تأخره عن الموعد مع جساس، المعروف بعصبيته الزائدة، فاستشاط غضباً، واعتبرها إهانة، وألغى الموعد، وعندما علم كليب بالأمر أسرع عائداً أدراجه إلى مضارب التغلبيين قائلاً: بشسع نعل كليب. وسارت الأمور بعد ذلك إلى اندلاع الحرب المعروفة بنتائجها الكارثية واستمرارها إلى يومنا هذا…

***

 

من الأقوال المأثورة

لا رأي لحاقد أو حاقن أو حاقب…

والحاقب من ضاق عليه الحذاء …

المثل يلخص ما حصل مع العاشق الذي ظفر أخيراً بموعد مع حبيبته، بعد انتظار وتحضيرات لوجستية  دامت أكثر من عام، والحجة كانت دائماً (أهلي لو يدرون).

كان الاتفاق أن تأخذ الفتاة إجازة ساعية من عملها وأن يلتقيا في إحدى كافتريات دمشق…

فعل الشاب ما فعله عاشق محمود درويش في قصيدة (الموعد الأول):

(حلقت ذقني مرتين

مسحت نعلي مرتين

أخذتُ ثوب صاحبي

وليرتين

لأشتري حلوى لها

وقهوة مع الحليب)

وأخبرها أنه ينتظرها قريباً من مكان عملها، قالت الفتاة: ألا تسمع أصوات الهاون؟

وكانت عدة قذائف هاون قد نزلت بمناطق متفرقة بدمشق يومذاك، ككثير من أيام الحرب، واقتصرت الأضرار في معظم الحالات على المادية فقط ولله الحمد…

فقال لها العاشق: أي هاون؟ الشوارع مليئة بالناس ولا أحد يأبه بها… الهاون يا حبيبتي ضرره محدود بدائرة لا تزيد على متر، وتبقى شظاياه هي المؤذية أحياناً.. وهي غير المدفعية الثقيلة أو الصواريخ أو البراميل المتفجرة  أرخص وأفتك سلاح .. فانزلي ولا تخافي! لكن الفتاة بقيت على خوفها ورفضت النزول إلى موعدها، بل إنها اتهمته باللامبالاة بحياتها، وشكّكت في صدق مشاعره.. انكفأ العاشق وعاد خائباً من موعده الأول.. وكان أول اتصال بعد (الزعل اللي طوَّل) عتباً متبادلاً اعترفت فيه الفتاة وقالت: إنَّ سبب رفضها النزول لم يكن خوفاً من الهاون الذي تعودت عليه مثل كل السوريين، وإنما كان الهاون حجةً، بل لأنها خافت أن لا يصدقها لو رَوَت له السبب الحقيقي..  وهو أن (الجزمة ضيقة) على قول عادل إمام…والمشي بالحذاء الضيق الجديد لمسافات طويلة من عيار مشاوير العشاق سيؤذي قدميها الصغيرتين…

هنا صفن العاشق صفنة طويلة..  وقال قولته الشهيرة: أيها الهاون.. كم من الجرائم ترتكب باسمك؟! ..

العدد 1140 - 22/01/2025