الفنان معتز علي: الكاريكاتير… جدلية بين فضاءات الفن وقضايا الالتزام

يقول الأستاذ الفنان معتز علي: (لطالما تخيلت أن علم فلسطين لا يكتمل سوى بوجود رسم حنظلة بين ألوانه، كأنهما صنوان لا يفترقان في ذاكرتي الشخصية على الأقل، ثم لا يكتمل الثالوث الكنعاني سوى بقصائد الشاعر محمود درويش، كم هو حنظلة قابل للحياة على الدوام)!

هذا ما جاء في كتابه الجديد تحت عنوان: (الفن وقضايا الالتزام.. الكاريكاتير أنموذجاً، الأستاذ الفنان معتز علي)، الذي أصدرته مؤخراً الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بالتعاون مع التجمع الديمقراطي الفلسطيني للمهنيين، تقديراً لتجربة الفنان علي الفنية في مجال الكاريكاتير وتكريسها في خدمة القضايا الوطنية على تعددها في مجتمعنا الفلسطيني اللاجئ، وما يمثله هذا الفن الساخر الملتزم  المضحك المبكي  في كشف جوهر الإنسان وتختزنه ذاكرته المصدومة من عمر النكبة. فجاء الكاريكاتير لينبش أغوار النفس والذاكرة والتخفيف من آلامها لرسم غد أفضل ينسى فيه الفلسطيني خيمته وأزقة المخيمات الذليلة. هذه رسالة الكاريكاتير الوطنية المحلية إن صح التعبير، فما هي رسالته الإنسانية؟ وماذا عن الصراعات والأزمات والمشكلات العالمية التي تتوالى وتختلق هنا وهناك؟ وهل هذا الفن بمقدوره أن يجد الحلول المناسبة؟ وهل العالم مثالي، أم أنه عاجز عن حل أزمته؟ فكيف بفاقد الشيء يعطيه؟ فما طبيعة هذا الفن؟ ومتى نشأ؟ ولمن يتوجه؟ وكيف تقرأ اللوحة؟ ومن هم أهم رموزه في العالم وفي الوطن العربي بشكل خاص؟ وما الذي أراده الفنان معتز علي من هذا الكتاب؟ وهل نجح في رفع الستار عن هذا الفن ومشكلاته؟ هذه النقاط يجيب عليها هذا الكتاب، فتطالعنا صفحاته الأولى بتعريف الفن علمياً ليصل إلى مفهوم الفن كقيمة أخلاقية مجتمعية يتبناها فرد أو مجموعة لتصبح شعاراً.. ويعود بنا الفنان إلى ذاكرة الأدب، والتراث الفكاهي العربي الساخر محاولاً أن يقول إن فن الكاريكاتير أصله فكاهة شعبية عربية ساخرة، والشاهد على ذلك (الجاحظ، ابن الرومي، جحا..)، أما ألف ليلة وليلة فلا أوافق الفنان علي، على أنها كاريكاتورية لأنها زمام الأدب وما تمتلكه الشخصيات يفوق الكاريكاتير بمعناه التقليدي، ومن هذا الفضاء ينتقل علي إلى أوربا الوسطى موضحاً سيرة الفن الكاريكاتيري وإشكالاته مع الفن الزخرفي، ذاكراً بعض أسماء الرسامين العالميين مثل الرسام صاحب الموناليزا (ليوناردو دافنشي) والرسام (دورر). أما الكاريكاتير في الوطن العربي فيبرز المصريون على المشهد الكاريكاتيري، وخاصة أطروحة الفنان يوسف عبد لكي التي ناقش فيها المراحل المختلفة لفن الكاريكاتور.

يتناول الكتاب المكان الطبيعي للكاريكاتير وشروط انتشاره في الصحف اليومية، فهو يستطيع أن يساير الواقع بتحولاته وتغيراته، وكذلك بقضاياه وصراعاته، فيبقى على الدوام جديداً مشوقاً وراهنياً مؤثراً، وينتقل إلى مكانة هذا الفن في الرقعة الجغرافية السورية ذاكراً أهم الفنانين والكتب التي صدرت في الفترة ما بين (2000  2008).

كتاب بعنوان: (رسوم عارية) للفنان معتز علي، صدر عام 2001.

كتاب بعنوان: (كاريكاتور) للفنان فارس قره، بيت صدر عام 2002.

كتاب بعنوان: (أسود بأسود) للفنان ربيع العريضي، صدر عام 2004.

كتاب أصدرته أسرة الفنان ناجي العلي بعنوان: (ناجي العلي، 1985  1987) صدر عام 2008.

ويناقش الكتاب مناقشة مستفيضة الكاريكاتير الفلسطيني ورؤية (إسرائيل) لفلسطين وشعبها والحلول المتاحة، وإن ما يميز رسوم الكاريكاتير التي تتناول القدس وفلسطين هو حضور الإنسان في اغلب اللوحات بأشكال متعددة، وأما الصفحات الأخيرة فكان الفنان معتز علي على موعد مع الفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، أحد الرموز الفلسطينية بمفرداتها ولوحاتها من الشمال في الجليل إلى العقبة وأطراف سيناء، حنظلة الشخص الصغير الذي يحمل كلمة السر، وأصبح بوصلة لكل فنان فلسطيني محترفاً بهذا المجال أو هاوياً في طريقه للاحتراف. إن فن الكاريكاتير عند ناجي العلي نقله من الفن الساخر الهزلي إلى فن ملتزم بقضايا شعبه، من هنا جاء عنوان الكتاب (الفن وقضايا الالتزام.. الكاريكاتير أنموذجاً).

أخيراً: جاء الكتاب من القطع الوسط وأصدرته الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وأشرف عليه التجمع الديمقراطي الفلسطيني للمهنيين بإدارة الأستاذ ياسر تميم، ضمن سلسلة من الأنشطة والفعاليات وبرامج موضوعة على هامش التجمع، أما لوحة الغلاف فقد جاءت تكريماً وتقديراً لدور المرأة الفلسطينية ودورها في حمل هوية القدس بقدر ما تحمله من هوية فلسطينية عبر ارتدائها زياً من أزياء القدس وهذه النظرة الحالمة، وهي ترنو نحو القدس المشبعة بألوان الطيف الفلسطيني مشكلاً تلاحماً وطنياً رائعاً جعلت من الغلاف قصيدة متناغمة الموسيقا والقافية، كما يتخلل الكتاب مجموعة رسوم للفنان المؤلف معتز علي، وأما الغلاف الأخير فضم لمحة عن المساهمات والحراك الذي قام به وانخرط فيه الفنان علي، عبر تجربته الغزيرة والنادرة بما حملته من معاناة ومشاق كجزء من المعاناة الكبرى آملاً بالانتصارات الكبرى. يوحي الكتاب لقرائه أنه نقطة انطلاق ومرتكز أولي لمشاريع ثقافية مستقبلية.

العدد 1140 - 22/01/2025