جمعية العلوم الاقتصادية تبحث الزراعة والموارد المائية

تغير السياسات الاقتصادية.. الحل السياسي أولاً..

إهمال الزراعة كان أحد مسببات الأزمة

بيّن الدكتور معن داود، من باحثي الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، أن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية المتفاقمة قد وضعت قطاعي الزراعة والموارد المائية على حافة الانهيار، نتيجة تعمّق نقاط الضعف فيهما، بسبب التراكم التاريخي، وذلك لأسباب عديدة، منها: التخطيط غير العقلاني وغير الرشيد للموارد الطبيعية وعلى رأسها المياه، وغياب مبدأ التشاركية في إدارة هذين القطاعين بتهميش أو إهمال كبير لدور المتشاركين الرئيسيين من فلاحين وعمال زراعيين وممثلي مجتمع مدني ومحلي، مع غياب التكاملية في إدارة مختلف القطاعات خاصة قطاعي المياه والزراعة، إضافة إلى التدهور السريع في الريعية الاقتصادية المباشرة للقطاعين وانعكاس ذلك مباشرة على الإنتاج والإنتاجية للمكونين الماديين الأساس في العملية الإنتاجية الزراعية، وبالتالي على دخل العاملين والمرتبطين بهذه العملية، وعلى إمكانية تحقيق الأمن الغذائي من السوية الدنيا بحده الأولي، أيضاً تفاقم انحسار دور العلم والبحث العلمي، ومن ناحية أخرى تجلى عدم حل مشاكل التداخل القسري بين القطاعات والازدواجية في العمل، تجلى على أرض الواقع بحالة من الفصام بين الخطط الحكومية ومتطلبات التنمية المكانية، وهو ما كان أحد أسباب ظهور الأزمة.

كلام داود جاء خلال حلقة النقاش التي عقدتها جمعية العلوم الاقتصادية يوم الثلاثاء 15 نيسان 2014 حول (واقع قطاعي الزراعة والري ومستقبلهما)، وأشار إلى أن الأثر المباشر للأزمة ظهر في تراجع إنتاجية أغلبية المحاصيل والمنتجات الزراعية على المستوى الوطني، سواء مكونات السلة الغذائية أو تلك التي تشكل أحد مدخلات الصناعات الوطنية ومادة أولية لها، فقد انخفض مثلاً إنتاج القطن الخام المسوق والمستلم حكومياً إلى حدود متدنية.

وقدم داود مجموعة اقتراحات للخروج من الأزمة القائمة في هذا المجال، ومنها أن تتم إعادة هيكلة الاقتصاد الزراعي وقطاع التزويد بالمياه، والعمل على تطوير البنية المؤسساتية الحالية وآلية الإدارة المنتشرة وتعزيزها، باعتماد مبدأ الإدارة بالأهداف في جميع مؤسسات قطاعي الموارد المائية والزراعية، مع إعادة النظر في الخطط الإنتاجية الزراعية والخروج من سيطرة الدورات الزراعية المعتمدة على المحاصيل الاستراتيجية، حتى تكون الدورات الزراعية أكثر توازناً.

كما تضمنت المقترحات تعزيز دور التخطيط الإقليمي المكاني وإنجاز المخطط المائي العام لسورية بمكوناته ذات الطابع البحثي والمعتمدة على تعميم استخدام منتجات البحوث القطاعية. ودعا إلى تعزيز دور المؤسسات البحثية وإحداث الهيئة العامة للبحوث المائية كمؤسسة مرجعية علمية لدعم العمل في بحوث السياسات المائية والتخطيط المائي المتعدد القطاعات.

أيضاً اقترح إعادة النظر بمشروع التحول إلى الري الحديث وتقييم أدائه ومنتجاته على خلفية نتائج البحوث العلمية القطاعية.

القلاع: تغيّر النهج الاقتصادي مع تغير الوزير

وأكد نائب رئيس جمعية العلوم الاقتصادية غسان القلاع أنه لولا الزراعة والإنتاج الزراعي لكانت سورية قد انهارت كثيراً، فعلى الرغم من انخفاض معدل الاستهلاك إلا أن البضائع مازالت موجودة على الرغم من غلائها، وبين أن المشكلة الأساسية هي عدم القدرة على رفع متوسط دخل الفرد ورفع قدرته الشرائية، والمطلوب تأمين كل شيء ضمن هذه القدرة المتدنية.

واعتبر أن جوهر المشكلة يكمن بتعدد النهج الاقتصادي منذ استقلال سورية وحتى اليوم، بحيث يتغير مع تغير الوزير.

المنيّر: تهميش مقصود للزراعة

ورأى الباحث الاقتصادي، ومدير تحرير صحيفة (النور) بشار المنيّر أن تراجع الزراعة بين عامي 2000-2010 كان نتيجة نية مسؤولي الاقتصاد تهميش الزراعة والصناعة، متناسين الأمن الغذائي وأهميته للقرار المستقل، وبيّن أن القضية ليست مسألة تشجيع أم عدمه، فهذه المناطق جرى إهمالها رغم كل الوعود بتطويرها حتى تراجعت نسبة الأيدي العاملة والأراضي الزراعية، إضافة إلى العديد من القرارات التي انعكست سلباً على الزراعة،كرفع أسعار المازوت وتحرير أسعار السماد وغيره، وانتقد حديث الحكومات السابقة عن استيراد القمح بدلاً من إعطائه سعراً تشجيعياً.

ورأى عضو الجمعية أن تطوير الزراعة والصناعة ومختلف مفاصل الاقتصاد الوطني مرتبط أولاً بالحل السياسي للأزمة السورية.

كشتو: إهمال الزراعة كان أحد مسببات الأزمة

ورأى رئيس اتحاد الغرف الزراعية محمد كشتو أن إهمال الزراعة في الاقتصاد السوري كان أحد مسببات الأزمة، فقد هجّر العديد من الفلاحين إلى أطراف المدن، وبين أن سورية أخطأت في انتهاج اقتصاد السوق الاجتماعي ودستورها اشتراكي، فدخلت القرارات الحكومية في تناقض كان ضحيته القطاع الزراعي، وهو ما عزي لأمور كثيرة كالجفاف والصقيع…، وأضاف أننا إلى الآن لم نتفق على تعريف الاقتصاد السوري، فإذا كانت الزراعة قاطرة النمو فيجب أن تعزز القرارات ذلك، ولفت إلى عدم التناسق بين الفريق الاقتصادي الحالي، لذلك تتضارب القرارات. وتساءل: كيف أسمح بتصدير أغنام العواس واستيراد الفروج المجمد؟ إنها معادلة غير منطقية، وقال: يجب الاعتماد على القرارات الاستراتيجية بدلاً من اتخاذ قرارات آنية كمنع تصدير الخضار.

وأضاف: قدمنا رأياً للحكومة بأن ترفع سعر القمح بمستوى دول الجوار حتى لا يهرّب، لكنها تشدد على دعمه، ولكن إن كانت الدولة تتحدث عن دعم القمح فلتدعمه على حسابها دون إلحاق الضرر بالفلاحين، ولفت إلى ضرورة تشارك الدولة مع القطاع الخاص والمجتمع الأهلي والمحلي، وأكد ضرورة انتهاج اقتصاد الحرب والعمل ببرامج إرشاد وتوجيه، إذ تغيب الثقافة الترشيدية في سورية، فمثلاً يتم التفريط سنوياً ب4 مليارات رغيف خبز، فسورية تنتج 16 مليار رغيف، تستهلك 12 مليار رغيف ويهدر الباقي.

جريج: ضرورة تطوير وسائل الري

وأشار مدير التخطيط في وزارة الموارد المائية جوزيف جريج إلى المشاكل الكبيرة التي تعانيها الزراعة المروية في سورية، مبيناً أن نصف الزراعة التي تعتمد على الآبار متركزة في محافظة الحسكة، التي يعادل ما تضخّه من الآبار للزراعة نصف كمية المياه الجوفية التي تستهلكها المحافظات السورية مجتمعة، وهذا مؤشر خطير يدل على استنزاف الحسكة لمياه الآبار، وأضاف أن كميات المياه الجوفية التي تضخ تفوق الواردات الجوفية من مياه الأمطار السنوية، ما أدى إلى انخفاض في مناسيب المياه الجوفية وزيادة ارتفاع تكاليف الضخ، وهو ما انعكس على تكاليف الزراعة المروية، وأكد أننا سنصل إلى وقت تصبح فيه الزراعة المروية غير مجدية اقتصادياً.

ولفت جريج إلى ضرورة تطوير وسائل الري بغية تخفيض كميات المياه المستخدمة لإنتاج كمية الغذاء نفسها.

الأشقر: إعادة النظر بالسياسات العليا للدولة

وقال مدير التخطيط في وزارة الزراعة هيثم الأشقر: إن الوزارة درست إنتاجية سورية من القمح وتنافسيته والأمور جيدة، وحينما ينقص القمح لديها فإنها تعتمد على المخزون الإستراتيجي تحسباً لنقص في هذه المادة التي تعتبر خطاً أحمر، إلا أن هناك فارقاً بين المساحات المزروعة بعلاً وتلك المروية بالآبار والتي تصل في السنوات الأخيرة إلى 70%. ورأى أن أزمة الزراعة مرتبطة بالري وهذا القطاع خرّب كثيراً لافتاً أن الإحصائيات الدقيقة غير متوفرة لغاية الآن.

وبيّن الأشقر أن هدف التخطيط الزراعي هو تأمين حاجة المعامل من الموارد الزراعية إضافة إلى تأمين العامل وتحسين الوضع الاقتصادي، وأكد ضرورة إعادة النظر بالسياسات العليا للدولة وتحديد وضع الزراعة فيها، وأكد أن العمل مع المجتمع المحلي هو الأساس، مع ضرورة تنشيط اتحاد الفلاحين.

بكور: زيادة الإنتاجية بدلاً من زيادة التكاليف

وقال الأمين العام لاتحاد المهندسين الزراعيين العرب يحيى بكور: إن الدولة لا تستطيع اقتصادياً الاستمرار بتحمل خسائر، ففي الزراعة ترتفع تكاليف الإنتاج، ولكن على الدولة تعويض ذلك بتأمين مستلزمات العملية الإنتاجية، وبالتالي زيادة الإنتاجية بدلاً من زيادة التكاليف، ولكن في سورية رفعنا أسعار كل شيء ولم تؤمّن بشكل كامل، وشدد على ضرورة إيصال المسلتزمات الزراعية بغية إنقاذ الموسم الحالي. وتساءل بكور: كيف يمكن أن نتدارك ذلك للموسم القادم؟ وكيف يمكن التنسيق بين وزارتي الزراعة والموارد المائية؟

العدد 1140 - 22/01/2025