خواطر حول المشاركة السياسية للمرأة
إن اتخاذ القرارات السليمة والفاعلة والتي يرتجى منها أن تكون مساهمة في تنفيذ قرارات التغيير المتصلة بواقع المرأة المجحف والمسيء لإنسانيتها، وبالتالي لأسرتها وأبنائها خاصة، لتكون هذه القرارات فاعلة والتمثيل السياسي للمرأة مجدياً، أجد أن ما هو منتظر من العمل السياسي بما يتصل بقضايا المرأة السورية لكي يكون حركة وحراكاً (صوتاً وانفعالاً وتفكيراً حراً ومباشراً) أمور عدة سآتي على إيرادها، ولكن قبلاً سوف أطرح سؤالي الجاد هنا: هل البنية الذهنية الراهنة للساسة الحاليين الفاعلين في الرأي العام المحلي مواتية لهذا الحضور الفاعل، لتكون المرأة شريكاً موازياً للرجل؟ إذ إن واقع الحال على الأرض في بلادنا يشي بما هو نقيض ذلك تماماً.
فمن أهم خصائص العمل السياسي أنه يتطلب قناعة ونقداً حراً وذاتياً، وإرجاع أثر للآخر، مما يعني نقداً له. والفترة الراهنة من عمر بلادنا، هي فترة تاريخية في صنع الحدث السياسي بموجب ذهنية فاعلة وإيجابية بمنطق تشاركي، بهدف العمل البناء لكلا الجنسين. إذ لا يمكن للعمل السياسي أن يقوم بالمرتجى منه اليوم، لإعادة بناء مجتمعنا المنهار في كل مفاصل الحياة، في ظل عصر العولمة والانفتاح الحضاري بين الأمم، ولتأخذ بلادنا في تماسكها، لا يمكن أن يتم ذلك إلاّ بمشاركة المرأة مشاركة فاعلة، وذلك بالاحتواء والعطاء والتسامح من النساء على تراكم تاريخ طويل من الدونية والغبن الاجتماعي، لا سيما من أولئك النسوة اللواتي سيتبوأن مسؤوليات، وتوظف قدراتهن لدرء العنف الذي تراكم، والذي لابد أن يؤدي إلى إعاقة الإنتاج، واستنزاف طاقات المجتمع لسنيين طويلة. فإن لم تأخذ المرأة مكانها الصحيح في قلب المعادلة السياسية، لتكون جنباً إلى جنب مع الرجل وفق قواعد اللعبة الديمقراطية المؤثرة في تحرير الطاقات والانفتاح على الآخر، مع ثقافة تحمّل مسؤولية الاختيار، فأجد أنه ليس هناك أمل في أية مسيرة تنموية مؤثرة لبلادنا. استشهاداً بقول العلامة والمحلل النفسي العالمي مصطفى صفوان في كتابه الأخير: (لماذا العرب ليسوا أحراراً؟). يقول صفوان: إن قضية حق المحكومين في مساءلة الحاكم، إذا كان ذلك هو المعنى الأساسي للديمقراطية، ترتبط ارتباطاً عضوياً بقضية تحرير المرأة.
ويكمل مصطفى صفوان: إذا تركنا جانباً الاستغلال للعقائد المجعولة للإيمان وهم الذكورة الكاملة الذي يتجاهل حدود كل كائن حي، بقي الشر الثالث الذي يهددنا جميعاً، ألاّ وهو عجزنا عن كل اتفاق على ألا نتفق، ومنه تفقد الكلمة وظيفتها الإنسانية والاجتماعية الأولى كطريق مفتوح أمام الاعتراف بالآخر.
لذا مما يخطر على ذهني هنا من أفكار، وأجد ضرورة لتفعيلها في الحياة السياسية لسورية الجديدة، من وجهة نظر خاصة بالمرأة، وانطلاقاً من منظور نفس اجتماعي تحليلي لبنية المرأة النفسية والمعرفة بالظروف التي شكلت بنيتها:
1- إقامة ورشة عمل شاملة في مجال تغيير التصورات الذهنية والقيمية في اتجاه العدالة الاجتماعية، بدءاً من رسم سياسات التخطيط والتغيير والتحفيز، وذلك بالاستناد إلى القدرات والمهارات.
2- التغيير بما ينسجم مع قواعد الطبيعة الثانية من خصوصية تكوين المرأة والرجل البنيوية البيولوجية، والنفس اجتماعية في إطار التكامل والتنوع، لتحقيق الأمن والأمان الجسدي والنفسي في بلادنا، وجنباً إلى جنب مع تحقق الأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي.
3- الأمن النفساني بطبيعة الحال حاضر في كل مفاصل أبعاد الأمن، من كونه يدخل في نطاق الأمن العام للبلد الذي حلمنا به، وسقطت التضحيات لعيشه.
وهنا تلزم الإشارة إلى أن يسير تلازم العمل على تطوير العلاقة بين الشخصية المرضية والسلوك الإجرامي، إذ إن الشخصية المرضية المقهورة تُنتج بعد فترة سلوكاً غير سوي يهدد الأمن الفردي والأمن الجماعي، وبذلك لابد من التصدي لذلك بهدف علاجه إن وجد، أو الوقاية منه قبل حدوثه.
4- تفاصيل التنشئة المبنية على خصوصية الذكورة وخصوصية الأنوثة، والتحفيز على المساواة، وأهمية كل طرف للآخر من كلا الجنسين، حتى يحصل النمو السليم وتعاش الحياة لكليهما بأفضل السبل للاستمتاع والسعادة والمشاركة، كل بحسب خصوصية قدراته وتنوعها.
5- إن الملاحظات التاريخية والتتبعية للسلوك الإنساني تشير إلى أن الجنس الذكوري هو الأكثر عدوانية من الأنثوي، مما يترتب عليه الرغبة في إخضاع الجنس الآخر، وإيجاد مختلف التبريرات الفكرية والأيديولوجية والدينية والثقافية لتكريس الإخضاع. فإذا كان تقسيم العمل وانقسام المجتمع إلى طبقات هو المصدر الأول لعدم المساواة، إذ فتح بذلك شهية العدوان وقدح شرارته الأولى، كذلك كان الحال مع إعادة توزيع الثروات وترسيخ مجتمعات العدالة. فيرجى من ضمن أمور أخرى إعادة فهم طبيعة هذه الفروق للحدّ من تأثيرها.
6- وهنا لابد من التركيز والتوضيح أن السمات النفسية الأنثوية، ليست سلبية، وغياب المبادرة والعزلة التي تُحمّل مسؤوليتها للتركيب العضوي، ليست إلاّ التعبير عن وضع اجتماعي وثقافي معين، فمن الصعب بذلك الوضع البائس للمرأة في بلادنا تخطيه باتجاه تحرر فعلي، ما لم تتغير البنى الاقتصادية و الاجتماعية والإيديولوجية التي هي أساس المجتمع الطبقي.
7- لتكون المرأة محررة تماماً ومساوية للرجل، ينبغي أن تكون أعمال المنزل مشتركة، وتساهم المرأة في الإنتاج، مما يعطيها مساهمة وموقعاً لائقاً في الحياة ينعكس على سلامة تنشئة الأجيال، وبالتالي على تقدم المجتمع.
هكذا تفهم المعاناة النسائية من وجهة نظر التحليل النفسي. فإذا كانت بنية الأنا الأعلى الأنثوية واهنة ومفككة، فإن التحليل النهائي لهذه الظاهرة يشير إلى أن السلطة الأنثوية ليست سوى تمثل عميق لا واع للسلطة الأبوية، وهذا التمثل representation لا يتم إلاّ في أجواء الغياب المادي لهذه السلطة، بعد أن تؤدي دورها في عملية التشريط الانفعالي لحضور الأبوين الواعي في حياة أبنائهما خلال مرحلة الطفولة. وبما أن الغياب يُبقي الآثار كما هي دون أن تتحول إلى سلطة ذاتية، على شكل أنا أعلى اجتماعي، يكرس بحكم المحرم والممنوع أو المسموح به في أي مجتمع. من هنا يمكن تفسير فداحة انحراف الأسرة عن إطار القيم الأخلاقية السائدة في حياة الناشئة في كل زمان ومكان، وعند كل مجتمع، من حيث محتوى السلطة الأبوية المحابي للذكر، الذي يسمح للأهل بالثقة بأبنائهم الذكور وبسلطتهم الذاتية المتمثلة بالأنا الأعلى. فانعدام الثقة هذا بالأنثى هو ما يقف خلف هوامات الأهل المتعلقة بغواية المرأة وشيطنتها. ومن هنا ينبغي أن يبنى العمل السياسي الناجح على نسف هذه القناعات البالية المتصلة بعالم المرأة وتركيبتها النفسية الخاصة.