هل سيخيم ظلام خصخصة الكهرباء على سورية..؟!

تسعى وزارة الكهرباء اليوم إلى تشجيع مساهمة القطاع الخاص بالاستثمار في مجال توليد الكهرباء وتوزيعه، بحسب رؤية الوزارة التي نشرتها صحيفة (الوطن)، وهو ما يعد تفعيلاً للقانون رقم 32 المتعلق بالسياسة العامة لقطاع الكهرباء في سورية، الصادر في الثاني من تشرين الثاني2010 م، وسيكون ذلك بحسب وزير الكهرباء لمصلحة الراغبين في الاستثمار بقطاع التوليد في محطات التوليد التقليدية أو حتى في الطاقات المتجددة.

إن تعزيز العلاقة بين القطاعين العام والخاص المنتج أمر جيد من حيث المبدأ، ويمكن أن ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني، ولكن إذا كانت خطوة وزارة الكهرباء هي بداية لمشوار الخصخصة بدلاً من التشاركية، فذلك أمر غير مقبول، إذ أكدت تجارب الخصخصة المعروفة لقطاع الكهرباء في العالم كله أن الخدمات تحسنت ولكن أسعارها حلّقت عالياً، فقد كرس قانون الخصخصة مصالح حفنة من كبار التجار وأصحاب الثروات المرتبطين شخصياً بمراكز اتخاذ القرار ضمن الدولة، وهؤلاء هدفهم تحقيق أرباح احتكارية خيالية تؤدي إلى ارتفاع أسعار كثير من السلع الاستهلاكية، وهو ما يؤدي للإضرار بالمجتمع.

كما أن دخول القطاع الخاص في استثمارات قطاع الكهرباء يمكن أن يتسبب بظهور إشكاليات عديدة أهمها إمكانية زيادة الأسعار على المستهلكين، لذا فنحن نرحب بدخول القطاع الخاص في استثمارات إنشاء المرافق العامة والبنى التحتية كالكهرباء والمياه وشبكات الصرف الصحي وغيره، مع تأكيد ضرورة تحديد أمور كثيرة مسبقاً، منها عملية المحاسبة وهيكل التكاليف، حتى لا نجد القطاع الخاص يفعل ما يشاء، فيجب تحديد العلاقة بين الحكومة والمستثمر المحلي أو الأجنبي في هذا القطاع، لارتباطه -وغيره من المرافق العامة الأخرى- بحياة المواطن السوري. يجب أن لا يتدخل القطاع الخاص مثلاً في تسعير الخدمات التي يقدمها للمواطنين حتى لا يزيد عليهم أعباء إضافية، ويجعلهم يتحملون وزر غياب التخطيط الممنهج في السابق لتحقيق حاجة القطر من الكهرباء، فسورية لم تصل إلى تحقيق حاجتها من الكهرباء في السابق، على الرغم من أننا كنا نبيعها في فترات متقطعة لدول الجوار إلا أن ذلك كان يتم على حساب مناطق متفرقة من بلادنا، ولكن وعلى الرغم من ذلك، لم نعرف أحداً من المعنيين بهذا القطاع بذل جهداً يذكر في إدارة الطلب على الكهرباء والاقتصاد في استهلاك الطاقة وتحسين الأداء وتشغيل المنظومة الكهربائية، كما لم ينجز تطوير الشبكات الكهربائية وإعدادها لتستوعب الطلب المتزايد على الطاقة دورياً، والذي يعد أحد التحديات الكبيرة للدول، لضمان توفير الاحتياجات المستقبلية من الكهرباء بأقل تكلفة ممكنة، للاستهلاك التجاري والمنزلي، من أجل ديمومة النمو الاقتصادي في المستقبل وتحسين الإنتاجية.

ونقترح مثلاً تشجيع القطاع الخاص على إنشاء مشاريع جديدة كتعزيز استثماراته في الطاقة المتجددة، خاصة مع وجود فرصة سانحة في سورية للاستغلال الأمثل لتلك الطاقة النظيفة، آخذين بعين الاعتبار الطقس المعتدل ومدى مناسبة هذه الأجواء لتوليد الطاقة، وبالأخص استغلال الطاقة الشمسية والرياح كطاقة بديلة.

يشار هنا إلى أن الأضرار الكبيرة التي طالت الاقتصاد السوري، الناجمة عن قطع الكهرباء بسبب العمليات التخريبية، والتي قدرت -بحسب بسام درويش مدير التخطيط في وزارة الكهرباء- بنحو 800مليار ليرة سورية، محسوبة على أساس قيمة الـ (ك.و.س) غير المُخخدم تعادل 50ل.س/ك.و.س، على أساس سعر الصرف 50ل.س للدولار، وبين درويش أن الطاقة الكهربائية المنتجة خلال 2013 بلغت 29710 ج.و.س، في حين بلغت خلال 2011 نحو 42902 ج.و.س، وكانت في 2010 نحو 49037 ج.و.س، وأشار إلى أن الطلب على الطاقة الأولية خلال 2010 بلغ 23.28مليون ط.م.ن، على حين بلغ الطلب خلال 2011 نحو 24.19مليون ط.م.ن، وفي 2012 نحو 18.54 مليون ط.م.ن.

وعلى الرغم من انخفاض الطلب على الطاقة بنحو 60% إلا أن حجم الدعم الحكومي لقطاع الكهرباء ارتفع بنحو 300 مليار ليرة خلال الثلاث سنوات الماضية منذ 2011 فقد بين وزير الكهرباء عماد خميس أن الدعم الحكومي لقطاع الكهرباء وصل لغاية شهر شباط 2014 إلى 600 مليار ليرة، وهو ما يشير إلى أن سياسة الدعم التي تتبعها الدولة في مجال الكهرباء لا تصل إلى المستحقين، إذ إنها لا تراعي الفقراء ومحدودي الدخل، فليس من المقبول أن يتساوى في الدعم الموظف والتاجر، وهو ما يتطلب إعادة النظر بالدعم لتجنب الدولة خسائر كبيرة قد لا يكون بإمكانها تحملها مستقبلاً، وهو ما سيكون له أبعاد اجتماعية سلبية للغاية.

ومن ناحية أخرى بينت دراسة جامعية في عام 2011 أن كلفة الكيلو واط ساعي الواحد تقدّر ما بين 7 و9 ليرات سورية، وأن نسبة الاستجرار غير المشروع من الفاقد الكهربائي تصل إلى 95%، وهو ما ينعكس سلباً على الدولة ويكلف الميزانية العامة مبالغ طائلة ستكون عاجزة عن تحملها في المستقبل، فضلاً عن المنعكسات السلبية على النظام الكهربائي وزيادة الأعطال، ومنعكسه الأخطر هو انحدار المستوى الحضاري لجزء من المجتمع.

إن وضع الكهرباء اليوم ليس في أحسن حالاته، نتيجة الاعتداءات الإرهابية العديدة على خطوط نقل الطاقة ومحطات التوليد، ولكن نأمل أن نكافئ المواطن الذي صمد مع سورية ثلاث سنوات ونيف، لاً أن نحمّله أعباء إضافية، وهو لم يتعافَ بعد من الآثار الكارثية لهذه السنوات. ويبقى السؤال في الختام برسم المعنيين في وزارة الكهرباء: هل سيخيم ظلام خصخصة الكهرباء على سورية..؟!

العدد 1140 - 22/01/2025