تفسير أحلام الكاتب
أطلق لقلمك العنان ولا تخش في الحق لومة لائم.. يا صاحب القلم الجريء! ماذا عن نيتك التي عقدتها على مواجهة الفساد وفضح الفاسدين؟
اكتب عن ذلك المتنفذ الذي استولى على أملاك الدولة، وحوّل مجرى النهر الذي يروي بساتين قريتك والعديد من القرى المجاورة، ليرفد بحيرات منتجعه السياحي الفخم الذي سيحيي المنطقة وسيعوض أهلها نهرهم بأنهار السمن والعسل! لا.. لا هذا موضوع شائك وذو محاذير ليس أخطرها حساسيته العائلية، ثم إن الاشتغال عليه يستلزم تحضيراً خاصاً وإعداداً موسعاً، إنه موضوع تحقيق صحفي لا زاوية أسبوعية.
اكتب إذاً عن ذاك (الباشا) الذي تبلغ قيمة فاتورة عشائه في المطعم ضعفي راتبك الشهري، سل: من أين له هذا؟ يا للهول.. ماذا لو وقع المقال بيد صاحب المطعم يا روبن هود؟!
كنت قد عقدت العزم على الكتابة عن مشاكل المواصلات والازدحام المروري، عن الوقت الذي يهدره كل مواطن يومياً بانتظار لحظة الظفر بموطىء قدم في السرفيس، لولا أن مقالاً ساخراً لأحد الزملاء يقترح فيه تكريس نوع أدبي جديد تحت مسمى (أدب السرافيس) لكثرة ما كتب في هذا الشأن. وزميل آخر ممن يوصفون بغزارة الإنتاج نصحني بلطف مؤخراً إثر جولة جدال، حول دور الكاتب ووظيفة الكتابة ومشاقها، قال: دعك من وجع الرأس هذا والتزم جانب الحياد، اكتب عما يجذب الناس، هناك بعضٌ من مشاريعي الاحتياطية، انتقِ منها ماشئت واكسُهُ لحماً وشحماً، ومبارك عليك، وقدّم إلي قصاصة ورق تعجُّ برؤوس أقلام وعناوين وحواشي لم أهتدِ إلى فكّ شيفرة صلتها بما يمكن أن يكتب:
الشحرورة تنفي خبر زواجها من شاب عشريني – الدراما التركية.. نجاح يستحق الدراسة – من هو نجم أراب آيدول الجديد؟ – فوائد الزنجبيل (لفتني أنه قد وضع هنا كلمة (سلسلة) كملاحظة)، سعودي يشتري تيساً بمبلغ 13 مليون ريال.
طبعاً أعدت القصاصة إليه مع جزيل شكري وبالغ امتناني لمشاعره النبيلة.
يتسلل نعاس العصر إلى خلايا دماغي مبعثراً أفكاري ومشتتاً تركيزي.. أسند ظهري إلى الكرسي وأُلقي برأسي على حافته، مستجدياً لحظة إلهام تشق سبيلها في خضم مشاكسات الأولاد ونزاعهم حول جهاز التحكم بالتلفزيون، هذا يريد (سبونج بوب) وتلك تريد (السنافر)، وصوت زوجتي الآتي من المطبخ يقطع تداعي أفكاري مذكّرة إياي بحلول موعد دفع فواتير الماء والكهرباء، الصغير (ورد) يسألني عن (الهمبرغر) الذي يقدمه بطله سبونج بوب لزبائنه، شقيقته لجين تسألني متى سنذهب إلى البالة لشراء حذائها (الجديد)، شقيقهما الأكبر زيد ينهرهما طالباً منهما عدم إزعاج (البابا الذي وعدنا بالذهاب إلى حديقة الحيوان يوم الجمعة إذا كنا شاطرين).
صوت سبونج بوب يتداخل بأصوات زبائني، شرشبيل يعنفني لتأخري عن تلبية طلبات (الباشا) متوعداً بالقضاء على الموظفين الذين يعملون عملا إضافياً ولو كان هذا آخر عمل في حياته، يفترش مائدة عامرة بما لذ وطاب من العملات الصعبة والسهلة، قفص الذئب في حديقة الحيوان يتحول إلى متجر لبيع الأحذية الأوربية والأمريكية المستعملة، وصوته يصدح في الأرجاء: الحذاء بألف عضة فقط، قطعان من التيوس والنعاج تتهافت للفوز بأحذيته، بابا سنفور يتجول في أروقة المجلة معلناً توصله إلى ابتكار مستحضر سحري عجيب متعدد الفوائد والاستعمالات.. خلطة مضادة لجنون الأسعار وطمع التجار، ولنهم المتنفذين والباشاوات، مسهلة لعسر المواصلات، مقوية للعلاقة الزوجية، تفيد في معالجة النوبات الناجمة عن دفع فواتير الماء والكهرباء والهواء، وتقي من أعراض الدراما التركية والمكسيكية وبرامج المنوعات العربية، تحول التيوس إلى عباقرة و تغني عن الزنجبيل والكافور، خلطة مضمونة النتائج مجربة من الشحرورة والديك….