جمعية العلوم الاقتصادية تبحث إعادة الإعمار وتركّز على دور هيئة التخطيط

د. جزائري: ضرورة وجود جهاز فني في الدولة يخطط للدولة وللوزارات

بيّن الدكتور همام جزائري، رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي أن المناطق العشوائية وشبه المنظمة هي الأكثر تضرراً من الأحداث الجارية، وخاصة البنية الصناعية التي بنيت في الريف عشوائياً، واليوم وحدات الإنتاج الحالية موجودة داخل المدن في الأقبية والمنازل، وتساءل: أين استراتيجية الدولة في إعادة تجميع هذه الصناعة وإخراجها إلى قرى صناعية في القطاعين العام والخاص؟ وقال: (لقد هجر الكثيرون من ريف دمشق مثلاً فأنشؤوا عدداً من الوحدات السكنية ولكنها لا تنسجم مع توسع المدينة الصناعية. ويوجد في سورية مبدأ: لا يوجد شيء مؤقت، فكل ما بدأ على أنه مؤقت تحول إلى أمر واقع، مع الزمن)، ولفت إلى أن التعامل مع الريف السوري قبل الأزمة كان من ناحية (ديمغرافية) وليس (تنموية)، وعزا تراجع الزراعة في مراحل متعددة إلى تراجع القطاع العام الصناعي، وعدم تسهيل إحلال القطاع الخاص الصناعي، فخلف ذلك فجوة وغاب حافز الإنتاج لدى الفلاح، وأيضاً لعب غياب التخطيط السكاني دوراً في ذلك.

كلام د.جزائري جاء في ندوة لجمعية العلوم الاقتصادية يوم الخميس 29 أيار 2014 بُحثت فيها قضية إعادة الإعمار وما يكتنفها من معوقات ومشاكل في ظل الأزمة الراهنة، وتقديم رؤى وتصورات لمرحلة الإعمار القادمة، ولفت رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي أنه يوجد ثلاثة عوامل أساسية لمرحلة إعادة الإعمار: الأولويات، والأدوات، والتمويل، ولكنه أردفها بسؤال: (هل نعيد إعمار الماضي أم نبني سورية الجديدة متجاوزين كل التناقضات؟)، وأكد أن التخطيط  في السابق كان ضحية لكثير من الموازنات الشخصية والاستثمارية، فقد لوحظ وجود تشتت كبير على مستوى التخطيط لدينا، وأكد ضرورة وجود جهاز فني في الدولة، وليس سياسياً، يخطط للدولة وللوزارات، وشدد على ضرورة تعزيز الإمكانات المحلية بالاعتماد على الذات وتدعيم عوامل التعافي الذاتية للخروج ممّا خلفته الأزمة، مبيناً أن العمل سيكون تدريجياً مع الدول الصديقة للتنمية الذكية الرشيقة وليس إعادة الإعمار، وعلى مستوى السياسات شدد على ضرورة اعتماد سياسات جديدة تتسم بالعدالة.

وفيما يتعلق بهوية الاقتصاد السوري وكفاءة الإدارة الاقتصادية، أكد رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي أن المشكلة تكمن في أولويات التنمية وأدوار اللاعبين بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى الحليف الاستراتيجي، وبيّن أن البنية الاقتصادية التي تشكلت في سورية هي بنية شكلية تقوم أساساً على القطاع المستورد، وأعطى مثلاً بأننا نؤمن 90% من حاجة السوق المحلية من الدواء، ولكن 10% المتبقية هي الأهم، وأيضاً 80%من إنتاجنا هي مواد مستوردة، لافتاً إلى حاجتنا إلى القطاع العام لتحقيق الكفاءة في كثير من الصناعات. وفيما يخص الدعم بيّن أنه يجب الممايزة بالأسعار حسب الشرائح الاجتماعية لتحقيق الكفاءة الاقتصادية وسياسات الدعم، وخاصة أننا لن تتمكن من الاستمرار في سياسات الدعم الشاملة، لذا يجب التفكير بأدوات تفصل المواطنين إلى شرائح، فاستمرار الدعم في شكله الحالي يعرقل التنمية.

وفيما يتعلق بسياسة تحديد الأسعار أكد أن دور الدولة يزيد مع ذوي الدخل المحدود، فيجب أن أستهدف السلع التي تلامس هذه الشريحة وعدم التدخل في السلع التي تلامس أصحاب الدخل المرتفع، ودعا لفتح منافذ للبيع في كامل الأراضي السورية، ما يضطر التاجر لتخفيض الأسعار، مؤكداً أنها استراتيجية مناسبة لتحديد الأسعار بدلاً عن التسعير الإداري.

أما عن الفساد فأكد أنه سيبقى منتشراً مادام لدينا عدم وضوح في التشريع والقانون والسياسات، وأكد أهمية بناء الإنسان انطلاقاً من علاقات الإنتاج التي تعيد بناء الإنسان والعلاقات الاجتماعية.

وفي ختام حديثه كشف الدكتور همام جزائري رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي أنه في نهاية العام الجاري سينتج لأول مرة معدل نمو إيجابي في الاقتصاد المحلي، وأشار إلى أن وحدات الإنتاج تتوسع عن طريق المميزات والإجراءات اللوجستية، وفي خطوة لاحقة سنضع الإجراءات للمستثمر الأجنبي بعد أن يكون المستثمر المحلي قد أصبح قوياً.

القلاع: التفكير بأساليب جديد لإحداث التوازن في المجتمع

وأكد نائب رئيس جمعية العلوم الاقتصادية غسان القلاع أن سورية بلد كل السوريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية والسياسية، مبيناً أن الإعمار مسؤولية كل مواطن يعيش في البلد ويهتم لمستقبله ومستقبل ولده، مشدداً على ضرورة التخلي عن الموروث الماضي في التخطيط والتعامل، وأكد أهمية التنظيم، وقال: نُقلت سابقاً العديد من الورشات من المدينة إلى الأرياف ولكن لو جرى توزيع النشاط الصناعي في مناطق مدروسة لخفّفنا أجور النقل والنفقات الإدارية الأخرى، وتساءل: هل أجرينا تخطيطاً عمرانياً لكل المناطق، وعند إحداث منطقة صناعية هل فكرنا بطريقة وصول العمال إليها؟ وأبدى ثقته بأن اختيار المناطق الصناعية كان عشوائياً ودون تخطيط.

وأشاد القلاع بالأفكار والمفاهيم الجديدة التي طرحت خلال الندوة مؤكداً (أننا نحن كمواطنين يجب أن نكون مقتنعين بها أولاً)، داعياً للتفكير بأساليب جديدة لإحداث التوازن في المجتمع.

وبين أنه اليوم في حمص مثلاً، وبعد إجراء المصالحة الوطنية وخروج المسلحين، فإن المعامل تُسرق وتفك قطعها لتباع، وهو ما يسبب خسائر إضافية للصناعي والتاجر.

اللحام: تحويل الدمار إلى فرصة

وبيّن الباحث الاقتصادي فؤاد اللحام أن المطلوب تحويل الدمار إلى فرصة لإعادة الثقة بالاقتصاد السوري كمؤسسات وقطاعات، وقال: (إن لم نستغل هذه الفرصة لا نستطيع القول إننا حققنا إنجازات).

وأشار إلى عدم إهمال الأثر البيئي وضرورة أخذه بعين الاعتبار لأنه سينعكس مستقبلاً.

وبالنسبة لإعادة الهيكلة بيّن اللحام أنها تنعكس سلباً على القطاع العام الصناعي، مشيراً إلى (الوصفات الجاهزة) التي يتم الحديث عنها حالياً وتداولها كالصناعات البتروكيميائية وغيرها، وقال: (عندما أريد بناء استراتيجية صناعية يجب أن أعتمد على الدراسات التي أحدد وفقاً لنتائجها توجهي).

الحمش: المهم مضمون النهج الاقتصادي وتطبيقه

وأشار الباحث الاقتصادي د.منير الحمش إلى أن الهوية ليست مطلوبة كشعار فقط للاقتصاد، اشتراكياً أم سوقاً اجتماعياً أم غيره، لكن المهم هو المضمون والتطبيق لأن ذلك يثير الكثير من الالتباسات، ولفت إلى تصريح النائب الاقتصادي السابق عبدالله الدردري عندما سئل: ما هو اقتصاد السوق الاجتماعي بعد أن أقرته الحكومة؟ قال: (عندما تولينا الإدارة الاقتصادية طبقنا هذه السياسات فجاءت القيادة السياسية وتبنتها وسميناها اقتصاد السوق الاجتماعي)، وأكد الحمش أن هذا دليل على استهتار بتحديد هوية الاقتصاد التي تتعلق بالناس. ولفت الحمش إلى أنه علينا أن نتوقف لنتساءل: لماذا جرى ما جرى في سورية؟ لماذا هذا التدمير والدماء؟! وإذا توصلنا أن العوامل الاقتصادية كان لها دور فعلينا البدء منها، فإذا كانت البطالة والفقر والعشوائيات والانفلاش والامتيازات الممنوحة للبعض قد مست بالتماسك الاجتماعي في أصغر قضية، فلنبدأ من هنا.

الخضر: تلازم إعادة الاعمار والقضاء على الفساد

وبيّن مدير المعهد العالي لإدارة الأعمال (هبة) د.علي الخضر أننا تعودنا تاريخياً تقديم مقترحات وأفكار وآراء، لكن لا أحد ينتبه إليها أبداً. ودعا إلى إعادة التفكير بفلسفة وعمل الحكومة أو الجهاز التنفيذي للحكومة، فلو كان يوجد فلسفة للأفكار التي طرحت وقدرة في الوزارة على تحديد مشاكلها والآليات التي تصل بها إلى أهدافها لكان بإمكانها إقامة تنمية مستدامة.

وأشار إلى أن الكلام عن التنمية وإعادة البناء مهم جداً، ولكن أن يتماشى مع القضاء على الفساد والإفساد، ما يتطلب قراراً على مستوى القرارات السياسية، وقال (أعتقد أنه لن يكون في المدى المنظور لأسباب أجهلها).

وأضاف: من الأجدر وجود جهاز تنظيمي على قدرة كبيرة من الخبرة والدراية تُمثّل فيه كل أطياف المجتمع السوري، وتساءل لماذا لا تعتمد الحكومة على خبراء متخصصين لتقديم آرائهم وتصوراتهم لحل المشاكل، وشدد على تكريس ثقافة العمل الحكومي الذي يقوم على الاستقصاء.

غرير: إعادة الإعمار.. المنازل أولاً

وأشار الباحث الاقتصادي د.موسى الغرير أن الدرجة الأولى في مرحلة إعادة الاعمار هي إعادة بناء المنازل المدمرة لإعادة المواطنين المهجرين إلى منازلهم، ومن ناحية أخرى تشغيل المعامل المنتجة بكامل طاقاتها الإنتاجية التي بإمكانها زيادة الصادرات ومصادر التمويل، وأكد ضرورة تعزيز المصالحة الوطنية وتوفير متطلبات إنجاحها كافة.

ونبّه أن المشكلة الحالية هي سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية ويجب أخذ كل ذلك بعين الاعتبار، ولفت إلى ضرورة التركيز على مصادر التمويل المحلية مع الحديث عن تردد الممولين الخارجيين.

خضور: هيئة التخطيط غير قادرة على قيادة المرحلة

أما الباحث الاقتصادي د.رسلان خضور فرأى أن هيئة التخطيط بوضعها الحالي غير قادرة على قيادة المرحلة، التي تتطلب وجود (مايسترو) واحد لها، وأكد ضرورة التعاون بين الحكومة والجامعات، كما شدد على ضرورة وجود نهج اقتصادي تحدده طريقة إعادة البناء والأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وبالنسبة للعشوائيات قال: (لا يجوز شرعاً بناء العشوائيات بل يجب اعتبارها منطقة عمرانية وإعادة إجراء دراسة تنموية وتعويض الناس مادياً وإجراء مجتمع عمراني جديد)، وشدد على خطورة العجلة في التنفيذ كي لا نقوم بأعمال نندم عليها لاحقاً.

سيروب: حجم الكتلة المالية اللازمة

وتساءلت الباحثة الاقتصادية د.رشا سيروب عن حجم الكتلة المالية اللازمة من أجل البدء بإعادة الإعمار وتحقيق معدل نمو إضافي.

حوراني: غياب الجانب الاجتماعي

وأكد الباحث الاقتصادي د.أكرم حوراني غياب الجانب الاجتماعي بالنسبة لذوي الدخل المحدود، وشدد على ضرورة لحظه في المستقبل، وبين أنه حدث حراك اجتماعي ديمغرافي بسبب الأزمة، وهو يستوجب من الحكومة إجراءات مختلفة، فقد اختلفت البنية السكانية نتيجة الانتقال القسري، ما يثير مشكلات في الملكية والروابط السكانية وغيرها.

النيال: إعادة النظر بهيئة التخطيط وبدورها السياسي

الباحث الاقتصادي د.عبد القادر النيال لفت إلى أنه لا توجد إجابات معتمدة لجميع ما طرحته الندوة من قضايا، مؤكداً أننا بحاجة إلى وثيقة جديدة تحدد الإجابات، فلا يكفي تحقيق تقدم في بعض المجالات، وهذا يندرج ضمن محاولة التكيف مع البيئة ولكن دون وجود خطة واضحة، وشدد على ضرورة وجود خطة تحدد الإطار العام لإعادة الاعمار يشترك في إعدادها الخبراء. وبين د.النيال أن كل الهويات الاقتصادية التي اعتمدت في السابق كان مقتلها السياسات التي طبقة، فالسياسات هي موضوع على المستوى نفسه من قضية إعادة الاعمار، وأكد ضرورة أن تكون السياسات واضحة ومتكاملة ومنسجمة، ولذا (لابد من إعادة المقدرة العلمية والإدارية والذاتية إلى هيئة تخطيط الدولة التي لا تستطيع حالياً الإشراف على إعادة الاعمار)، وأردف أنه لابد من إعادة النظر بالهيئة وبدورها السياسي.

المنيّر: إعادة بناء الإنسان أيضاً

وأشار الباحث الاقتصادي بشار المنيّر إلى الشكل الأخطبوطي للفساد الذي لمسناه خلال العقد الماضي والذي أجهض كل عمليات البناء، وشدد على أهمية إعادة بناء الانسان والبدء بذلك من الأطفال وتعليمهم كيف يتقبلون الآخر ويتحاورون معه بغية تكوين جيل سوري جديد، وضرورة الإبقاء على مبدأ الدعم الحكومي للفئات الفقيرة على أن يوجه إلى مستحقيه فعلاً.

العدد 1140 - 22/01/2025