مأساة سورية…. الحكومة لا ترى أن ثلاثة أرباع السكان فقراء

تختلف التقديرات حول عدد فقراء الوطن، الذين يحملون سمة فقير بامتياز، سواء بسبب الإجراءات الحكومية أو لأسباب أخرى، وهناك تقديرات تتحدث عن أن أكثر من 75% من عدد السكان دخلوا إلى نادي الفقراء، ووصلوا إلى هاوية الفقر، وأن نصف عدد السكان يعانون الفقر الشديد. ومعظم الإجراءات الحكومية المتخذة، أو المراد اتخاذها قريباً، لاتراعي وضع الفقراء ومحدودي الدخل، وتؤدي بشكل من الأشكال إلى انضمام فئات جديدة إلى طبقة الفقراء، التي يبدو أنها تتسع. إذ لاتوجد خطط حكومية واضحة تستهدف الفقراء، كما تغيب الإجراءات الحقيقية التي تساعد على تقليص أعداد هذه الطبقة، وكل ما نجده على أرض  الواقع يسهم بتعميق هذا الواقع وترسيخه، ويجري تأجيل الملفات الساخنة والعميقة إلى المستقبل. ألا يعني إصرار الحكومة على تحريك ملفات اقتصادية لها طابع اجتماعي خطير، سوى زيادة مروحة الفقراء؟ إذ تتجه الحكومة بعزم صوب تحريك أسعار أهم السلع الاستهلاكية الأساسية، كالخبز والمحروقات، بينما جهودها لضبط الأسواق وأسعارها المنفلتة أبداً غير ناجحة. ونعلم أن كل ما تقدمه الحكومة من مبررات لتسويق مثل هذه القرارات التي لاتحظى بالشعبية، هو غير مقنع، ويبتعد عن الواقع، وخلفياته الأساسية مالية بحتة، لاتأخذ بالمنعكس الاجتماعي، وأن دورها في زيادة عدد فقراء سورية كبير ولا يمكن تجاهله.

يصف المركز السوري لبحوث السياسات، الوضع، في تقريره الصادر في أيار الماضي بعنوان (سورية – هدر الإنسانية): إن سورية غدت بلداً من الفقراء، ويذهب التقرير إلى  أن ثلاثة من كل أربعة أشخاص أصبحوا فقراء مع نهاية 2013 وأن 54.3% من السكان يعيشون في حالة الفقر الشديد ولايستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية. وقدر التقرير، الذي أنجز بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالة الأونروا، أن 20% من السكان يعيشون في حالة من الفقر المدقع، أي لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، ويزداد الوضع سوءاً في المناطق المناطق المحاصرة والساخنة حيث ينتشر الجوع وسوء التغذية. ويرى معدّو التقرير (وهو الثالث من نوعه) أن معدل الفقر الاجمالي وصل إلى 75.4% مع نهاية العام الماضي، وسجلت محافظة إدلب أعلى معدلات الفقر بنسبة 83%، كما تعاني محافظات دير الزور وريف دمشق والرقة من معدلات فقر مرتفعة. وبشكل عام ارتفع معدل الفقر ارتفاعاً كبيراً في جميع المحافظات لكنه سجل أقل معدل له في اللاذقية حيث وصل إلى 65%، تليها السويداء والحسكة وطرطوس على التوالي، إلا أن غالبية سكان هذ المحافظات يعانون من الفقر، وفقاً لتقرير المركز السوري لبحوث السياسات.

في تقاطع تلك المؤشرات مع مؤشرات سابقة، يعود تاريخها لسنوات سابقة، عند وضع خريطة للفقر في سورية، قدرت هيئة التخطيط والتعاون الدولي آنذاك (كان عبدالله الدردري يرأسها) أن 9% من عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر الشديد، و30 % عند خط الفقر الأعلى، وكانت آراء المسؤولين الاقتصاديين يومذاك، تؤكد أن الفقر يحتاج إلى إجراءات بسيطة لمعالجته كونه غير عميق.

اليوم لا يمكن تجاهل أثر الأزمة الراهنة في سورية، ودورها في زيادة عدد الفقراء، ولا التحذيرات التي تُطلق بين الفينة والأخرى حول الوضع الانساني المتدهور في سورية، والتنبيهات المختلفة من كارثة انسانية.

هذا المشهد الذي ينذر بكوارث مختلفة، إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، حاملها الموضوعي هو الفقر المنتشر بقوة في طبقات المجتمع، والآثار السلبية  المتوقعة الناجمة عن هذا الواقع المرعب، وهو ما لاتراه الحكومة، على ما يبدو، ولا تنظر إليه بجدية، ولا تتخذ ما يلزم من إجراءات لتخفيف حدة ها الواقع المأساوي، وكل ما يهمها تخفيف الضغوط على خزينة الدولة، وتوفير بعض المال على حساب الفقراء ومن لايملكون ما يسكتون به جوعهم، ويواجهون به فقرهم، على اختلاف درجات تصنيفه.

ما تفتقده سورية هو وجود إرادة حكومية لمعالجة الفقر، باعتماد خطط تنموية واقتصادية كبيرة، وخلق فرص العمل، والمساواة في الحصول عليه، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل، وإتاحة الفرصة للتعليم، وغيرها من إجراءات حتمية على طريق ردم الهوة السحيقة بين ناديي الأغنياء والفقراء اللذين يسمان الطبقات الاجتماعية في سورية.

العدد 1140 - 22/01/2025