لنكرِّمْهم في عيدهم

وكأنما قُدِّر لهذه الأرض أن تحتضن أبناءها مرتين، مرَّةً في الحياة وأخرى بعد الممات…

فلم تكن تسميتها بأم الشُّهداء عبثاً!!

وها هو ذا السَّادس من أيار يُطلّ علينا، لا ليذكرنا فقط بمن قدَّموا أرواحهم فيما مضى، وإنما ليجدِّد سجلاته ويُضيف أسماءً تتزايد كلَّ يومٍ في ظلّ ما نعيشه على مدار ما يقارب العقد من الزَّمن.

هؤلاء الذين رحلوا مع أو بغير إرادةٍ أو درايةٍ تاركين خلفهم أرواحاً تاهت في مهب الرِّيح المعيشية والاقتصادية والاجتماعية … إلخ، أطفالاً لم يروا النُّور بعد، وزوجاتٍ وجدن أنفسهن فجأةً أمام مواجهةٍ مع ضراوة الحياة، أمهاتٍ وآباءَ لم يعد لديهم حولٌ ولا قوة، وربما أيضاً إخوة وأخوات كانوا يعيشون بظلّ وجودٍ صار ماضياً…

كَثُرَ شهداء بلادي في الوقت الذي تضيق فيه الحال ذاتها على الجميع، وكي يتمّ إشعار ذويهم أنهم لم يُهمَلوا بعد فقدانهم لأبنائهم بادرت الحكومة لتقديم بعض المساعدة لهم من خلال وضع شرط في مسابقات التَّوظيف أن لهم 50% من الشَّواغر… ونشطت بعض التَّنظيمات غير الحكومية لمساعدة بعضهم في تأمين المعيشة أو دراسة الأطفال أو إطعامهم أو التَّرفيه عنهم… هذا جلُّ ما قُدِّم لذوي من قدَّموا أنفسهم في سبيل الوطن! يا للأسف!

وحتى هذا الوضع خضع ولا يزال للمحسوبيات والعلاقات الخاصَّة، فكم من أسرةٍ لم تلقَ من الدَّعم إلاّ الكلام فقط، وربما بعض كيلواتٍ من الفاكهة كمكافأةٍ لتضحية أبنائها! كم من زوجةٍ رُمِّلت ولم تلقَ عملاً يساعدها في سدِّ رمقها وأطفالها، بل أوصدت الأبواب في وجهها بذريعة أعداد الشُّهداء الكثيرة وقلَّة الإمكانيات لدعم الجميع! وكم من الأبناء لم يلقوا الرِّعاية المفروضة والتي تساويهم بأقرانهم الذين درسوا ويدرسون في مدارس أبناء الشُّهداء! فكان غدر الأيام لهم بالمرصاد مرَّتين، الأولى بفقدانهم الزَّوج أو الأب أو الابن، والثَّانية حين يُتركون ومصيرهم هكذا في مهبِّ الرِّيح ولا من يسأل.

ربَّ قائلٍ يقول إن الحكومة ذاتها تعاني من ويلات الحرب كما نعاني، بل ويزيد بأنها مشكورةٌ أن(تكرَّمت) على البعض!! لهؤلاء أقول بأن الحكومة وعلى الرَّغم من معاناتها فهي المسؤولة عن هؤلاء الأشخاص ورعايتهم ودعمهم، وما تقوم به على ضآلته هو واجبها تجاه مواطنيها الذين من المفترض أن تزيد من دعمها لهم أكثر لا أن(تتكرَّم) على البعض وتترك البعض الآخر، وألاّ تستخدم من(تفضَّلت) عليهم ذريعةً للضَّغط على باقي فئات المجتمع مُطالبةً إياهم بالمزيد من التَّحمُّل والصَّبر، فتخلق بلبلةً بين النَّاس وغيرةً وخلافاتٍ جميعنا بغنىً عنها، ما يزيد الأحوال العامَّة سوءاً في أحلك الظُّروف.

في هذا اليوم لا يسعنا إلاّ أن نقف خاشعين لذكرى كلِّ من ضحَّى بروحه في سبيل بقائنا على قيد حياةٍ… مع أن كلَّ المراثي لا تشـــــــفي غليل قلوبٍ محروقة، ولهـــــــــــذا فإننا نطالب بحياةٍ حقيقيةٍ كريمةٍ لنا جميعاً بعد كل ما أصابنا من مـــــــــوتٍ ودمار.

العدد 1140 - 22/01/2025