ذهبت إلى المطارح المحرمة اقتصادياً

لن تتراجع الحكومة عن قراراتها التي اتخذتها مؤخراً، وأصابت من المواطنين وذوي الدخل المحدود مقتلاً. فتاريخ الحكومات المتعاقبة، يؤكد أنها لم تتراجع عن قرار لها، حتى ولو كان قراراً غير شعبي، ويتناقض مع المصالح العليا للجماهير. لأنها لا تريد كسب فضيلة التراجع عن الخطأ. وتصر في دفاعها المستميت عن قراراتها المثيرة للجدل، ما يجسد عدم رغبتها في التشاركية، وعدم نيتها التعاون مع الفئات الأخرى، والقوى التي تلتقي وإياها على العديد من النقاط الجوهرية.

إنه نهج حكومي بامتياز: عدم الالتفات إلى الوراء، وعدم الانصياع إلى صوت الناس الذين صاروا ضحايا بسبب بعض القرارات والتوجهات. واكتسبت الحكومات المتعاقبة هذا الموقف أو القناعة منذ زمن بعيد، والآن لا يمكن لحكومة تسيير الأعمال أيضاً أن تتخلى عن هذا النهج. وما ظهر لنا من حكومة وائل الحلقي في أيامها الأخيرة، نسف كل الطمأنات والمواقف الإيجابية التي اتخذتها، منذ تشكيلها في آب 2012 وتعديلها مرتين الأولى في شباط 2013 و الثانية في آب 2013. إذ سعت هذه الحكومة التي غدت حكومة تسيير أعمال منذ 16 الشهر الجاري، سعت في أيامها الأخيرة إلى إظهار كل ما لديها من توجهات ليبرالية. وعملت، في سباق واضح مع الزمن، على إعادة إنتاج أفكار يعرفها الشارع السوري بأنها أفكار وتوجهات (دردرية) الطابع والمضمون، التي لم تك تخفي توقها الواضح والكبير لإزالة  مظلة الدعم الحكومي، واتباع سياسات اقتصادية متوحشة، بعيدة عما تحتاج إليه البلاد من (أنسنة) لاقتصادها، الذي ينضوي تحت جناحيه النسبة الأكبر من الفقراء وذوي الدخل المحدود.

القرارات التي اتخذتها حكومة الحلقي في أيامها الأخيرة، جعلت منها أكثر الحكومات بعداً عن المواطن، وأكثرها عدم رأفة بحاله، والحكومة التي ضربت عرض الحائط بالقاعدة الشعبية التي تحتضنها، وذهبت إلى المطارح المحرمة اقتصادياً، والمسكوت عنها، في هذه الفترة على الأقل، نظراً لتعذر اتخاذ اجراءات كاملة لتصبح قراراتها شعبية. فالحكومة التي تتحدث عن الهدر والفساد في الخبز هي التي ترعى هذه الحالة، إذ لا يوجد من يتجرأ على المتاجرة بقوت الناس من الضعفاء اقتصادياً. ولنذكر هذه الحالة، عندما قررت حكومة محمد ناجي عطري الأولى تحريك سعر المازوت، بدأت بالتسويق للفكرة بإظهارها لمشكلة تهريب المازوت إلى لبنان، وسمحت باكتشاف أنابيب ممتدة عبر الحدود من حمص باتجاه الجانب اللبناني، لكن ظهر تساؤل بسيط  مفاده: من يتجرأ على مد خطوط وأنابيب بين البلدين؟ وبدأت الجمارك آنذاك حملة لإزالة هذه الأنابيب، ويومذاك تحدث عطري عن تهريب مازوت بقيمة مليار دولار (كان الدولار بـ 50 ليرة) في إشارة واضحة للدلالة على حجم المشكلة الكبير. وبعد سنوات من هذه الحادثة واتخاذ قرار رفع أسعار المازوت، وجد كثيرون من مؤيدي قرار رفع أسعار الخبز والسكر والأرز التموينيين ومياه الشرب حالياً، أن توجهات حكومة عطري ونائبه الدردري الاقتصادية أشعلت فتيل أزمة البلاد اقتصادياً. الآن ماذا سيقول هؤلاء في حال تراجعت الحكومة القادمة عن بعض توجهات الحكومة الحالية؟ أو أنها ذهبت أبعد من ذلك وقدمت تعويضات للضعفاء اقتصادياً عما لحقهم من أذى وضرر نتيجة هذه القرارات؟ بالتأكيد سيوجهون اللوم إلى الحكومة الحالية، وللأسف هذه حال بلادنا دائماً، تعيش في متناقضات اقتصادية واجتماعية، ترعاها الحكومة.

العدد 1140 - 22/01/2025