الصادرات بحاجة إلى دعم.. لا إلى شعارات!
تلقى الاقتصاد السوري ضربات عديدة بسبب الأزمة الراهنة، من فرض عقوبات وحصار اقتصادي وعنف دمر العديد من المنشآت والفعاليات التجارية والصناعية وخروج بعضها الآخر من الخدمة، وتحويلها من منشآت مولدة للدخل والإنتاج إلى منشآت مستنزفة للموارد ولموازنة الدولة، فتراجع إنتاج المعامل والورش على اختلاف أحجامها وأنواعها وعجزت عن تلبية حاجة السوق من السلع والمواد، ومن ناحية أخرى عجزت الحكومة عن تصدير منتجاتنا نتيجة الحصار الجائر الذي ترك أثراً كبيراً في بنية الاقتصاد السوري، انعكس سلباً على معدلات النمو ومعيشة المواطنين الذين زادت معاناتهم من ارتفاع أسعار جميع المواد ونقص الخدمات الأساسية بما في ذلك الأدوية، حتى بات الاستيراد صعباً بسبب العقوبات وارتفاع أسعار الشحن والتأمين على البضائع التي تتأثر أجورها بالنزاعات والحروب تأثيراً مباشراً، كما بات تقدير حجم الصادرات الكلي الحالي صعباً مع وجود تضارب كبير في الأرقام المطروحة لأسباب عديدة منها تضخم صادرات اقتصاد الظل تضخماً كبيراً في ظل الأزمة.
وفي خطوة لكسر حاجز العقوبات اتبعت الحكومة منذ بداية فرض العقوبات سياسة التوجه شرقاً، وخاصة صوب الدول التي ما زالت تحتفظ بعلاقات مع سورية، وفي مقدمتها إيران ومجموعة (بريكس)، ولكنها فشلت في تحقيق ذلك على أرض الواقع إلا في الحدود الدنيا، فتحول التبادل التجاري ضمن هذه الاتفاقيات باتجاه واحد هو الأسواق السورية، فكيف ننجح في التوجه شرقاً من دون قطاع عام نشط؟ وكيف ننجح مع وجود بعض الفاسدين الرافضين لهذه السياسات!
ومؤخراً دأب اتحاد المصدرين بالتعاون مع الوزارت المعنية على العمل الحثيث لإعادة الحياة لعدد من التجمعات الصناعية، كان آخرها البدء بإعادة إعمار التجمع الصناعي التصديري بمزرعة فضلون (حوش بلاس – السبينة).. إجراءات عديدة قام بها الاتحاد منذ تأسيسه، ومنها توقيع عقود تجاوزت قيمتها 200 مليون دولار في معارض بيروت والعراق وغيرها، وعلى الرغم من هذه الخطوات إلا أن حجم الصادرات مازال ضئيلاً مقارنة بعام 2011 ويبلغ مقدار الانخفاض الحقيقي في وسطي صادرات الربع الأول من العام الحالي وصادرات الربع الأول من عام 2011 بنسبة 96%.
إن الخطوات العديدة التي تقوم بها الجهات المعنية لإعادة تدوير العجلة للصناعة السورية لتأمين حاجات الأسواق والعمل على التصدير بغية تأمين قطع أجنبي لخزينة الدولة، يتطلب ألا نتجه فقط إلى المدن الصناعية والمنشآت الكبيرة، بل يجب الاهتمام بتعزيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة، مع ضرورة أن تستهدف السياسات الاقتصادية زيادة دخل الفرد، وخلق قيم مضافة جديدة لخلق فرص عمل تقلِّص نسب البطالة وتقلل البطالة المقنعة في مؤسساتنا، بواسطة تأمين مناخ مشجع للأعمال. وهنا تبرز الحاجة إلى تحديد نهج واضح للاقتصاد السوري، مع وضع آليات وخطط مناسبة لتحسين واقع التصدير لأثره الإيجابي على الاقتصاد الوطني، والسعي لفتح أسواق تصديرية جديدة لتصدير منتجاتنا، إذ يوجد 32 دولة من مختلف أنحاء العالم هي أسواق واعدة غير مستغلة للصادرات السورية، بحسب مدير خدمات التجارة في الهيئة العامة لتنمية وترويج الصادرات، مشيراً إلى أن هذه الدول تعتبر من شركاء سورية التي تمتلك معها إمكانيات تصدير غير مستغلة، فعلينا دراسة التوافق التجاري مع هذه الدول لمعرفة توافق الهيكل السلعي لصادراتنا مع الهيكل السلعي لمستوردات البلد الشريك المقترح، والتأكيد على أهمية أن تعمل الاتفاقيات الثنائية والشراكات الموقعة على دعم المنتج السوري، حتى لا نعيد أخطاء الفريق الاقتصادي السابق التي لعبت دوراً كبيراً في الحراك الشعبي الذي تشهده سورية منذ آذار 2011.
لكن العقبة الأساسية التي تعيق تنفيذ هذه السياسات الاقتصادية هي توفر الأمن الذي يسمح بتشغيل المصانع وتوريد المحاصيل والسلع إلى الأسواق الداخلية والخارجية، وبعبارة أخرى، فالحلول الاقتصادية يجب أن تتماشى مع الحل السياسي الذي يوقف العنف، والذي يعد خطوة في طريق النمو الاقتصادي، ويعمل على ردم الهوة الاجتماعية التي أصابت بنية المجتمع السوري محدثة صدعاً كبيراً، لأن النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي يغيبان في حالات اللاستقرار السياسي والأمني.